تاريخ الإضافة : 10.04.2008 20:36
قراءة في كتاب المجتمع الأهلي الموريتاني
قراءة في كتاب المجتمع الأهلي الموريتاني
مدن القوافل 1591-1898
بقلم: سيد أعمر ولد شيخنا
صدرمؤخرا من مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت كتاب جديد بعنوان المجتمع الأهلي الموريتاني مدن القوفل (1591-1898م لمؤلفه الدكتور حماه الله ولدالسالم الكتاب الذي يقع في 479 صفحة يمثل في الأصل أطروحة دكتوراه للباحث ، تعتبر هذه الدراسة فريدة في بابها حيث نجد ولأول مرة حديثا عن وجود مؤسسات مجتمع أهلي في البلاد التي لم تعرف دولة مركزية منذ عهد المرابطين.
والمجال الترابي الذي يتحدث عنه المؤلف يتجاوز الحدود الحالية لموريتانيا فالمجال المدروس يشمل بالإضافة إلى موريتانيا مناطق أخرى مجاورة تربطها بها وحدة اللغة والعادات والتقاليد والنسب والتاريخ وهذه المناطق هي من الشمال (إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب وإقليم تيندوف ) ومن الشرق (إقليم أزواد ) وبذلك نتحرر من الفضاء السياسي وتصوراته المثيرة للجدل (ص 14) ،أماالمجال الزمني للدراسة فقد وصفه الكاتب بأنه منظم في حدان مميزان :أولهما( 1000ه/1591ه )وهوتاريخ سقوط مدينة تنبكتو كبرى مدن الساحل آنذاك ،في يد جيش المنصور السعدي وبذلك الحدث سقطت أقاليم مملكة سنغاي الإسلامية وانفرط عقد الاجتماع الأهلي الذي شيدته النخب الصنهاجية والسودانية وبذلك طويت صفحة من تاريخ المجتمع الإسلامي في الإقليم لتبدأ صفحة أخرى من نهضة المدن الصحراوية التي أستقبلت فلول النخب المشتتة ودشنت فصلا جديدا من تاريخ النظم الأهلية لن يتفكك إلا مع الإسنعمار في 1898م تاريخ الاحتلال الكامل للأحواز الشرقية من المجال الموريتاني ( ص 49) وحول تحديد مجال تمركز مؤسسات ونظم المجتمع الأهلي على خارطة الفضاء الشنقيطي يتحدث المؤلف قائلا يمكن القول إجمالا إن المجتمع الأهلي الموريالني كان متمركزا في موريتانيا الشرقية بالمفهوم الثقافي لبلاد البيضان ولاسيما في مثلث تنبكتو –ولاته –تيشيت وهي المدن الكبرى التي كانت معقل الثقافة العربية الإسلامية في البلاد إلى جانب مدينتي شنقيط وودان الشماليتين فضلا عن البوادي المرتبطة بذلك المثلث بوادي الحوض بوادي الرقيبة بوادي تكانت بوادي أزواد أما المناطق الغربية كبلاد القبلة (بلاد الترارزة ) وبلاد تيرس والساقية وما والاها فلم تعرف مؤسسات المجتمع الأهلي ونظمها الحضارية لكونها بقيت مناطق هامشية في تجارة القوافل الصحراوية ولم ينتظم منها راكب حاج كما أنها لم تعرف ظاهرة المدن والحواضر الثقافية والتجارية مطلقا ولايعني ذلك قصورا معرفيا ولا حضاريا بل هو نتيجة لأسباب تاربخية أكثر من عادية ستؤدي مع إنتصاف القرن التاسع عشرالميلادي إلى تحول مركز النشاط البشري والأقتصادي إلى منطقة القبلة وأحوازها وازدهار الحركة الفكرية في بلاد القبلة وتيرس وأحوازهما وتحول المناطق الأخرى إلى هامشية (ص 34)
يجزم المؤلف أن المجتمع الموريتاني عرف وجود مؤسسات ونظم أهلية ضمن مدن القوفل والبوادي القريبة منها وكان ذلك من أقوى تجليات الدور الاجتماعي للإسلام والثقافة العربية في المجال الذي يعرف قديمابلادشنقيط وقد درجت السوسيولوجيا الاستعمارية بروا فدها المختلفة على التأسيس لأفكار مغلوطة من قبيل مجتمع السيبة وطروحات الانقسامية مثل مجتمع بلادولة والمجتمع الهامشي والفوضى المنظمة وكلها أوصاف تؤسس للاستتباع ثم تسوغ للاستعمار ،ثم يشير الكاتب إلى أن المجتمع الأهلي يختلف شكلا ومضمونا عن المجنمع المدني فالمجتمع الأهلي هو الخطط الدينية والمؤسسات الأهلية المستقلة المسيرة من قبل النخب المشكلة من العلماء وقادة الطوائف والحرف وغيرهم من الأعيان التي تعبر عن الإجماع في المجتمع النابع من مرجعيته الشرعية وتجربته التاريخية في الاستقلال التي حققها منذ انهيار الخلافة الراشدة وفي موضع من الكتاب يشير المؤلف يقول المؤلف وواهم من يعتقد أن –جريا عاى سنن السوسيولوجيا الاستعمارية – أن البلاد الموريتانية كانت سائبة كليا بل عرفت منذ مغيب الدولة المرابطية وبسرعة تطورا سريعا لمايقي من أثار تلك الدولة على يد فقهاء مدن الساحل لم يلبث أن أستحال دورا شديد الحيوية لجماعة الحل والعقد في كل مدينة ترعى الخطط الدينية وتقوم على تسيير القوافل الحجية والتجارية وتسعى جاهدة لردع الفساد الأهلي وتطويق أثار الضغوط الجبائية عليه من قبل الظواعن أهل الشوكة ولم يكن ذلك ممكنا إلا بتأطير-ولو رمزي –من قبل القوى الحسانية بقيادة الأمراء والقادة الذين كانوا يلتزمون العقد الإسلامي السني ويبجلون المشايخ ويدينون بالولاء لكبارالعلماء (ص 68)
ثم يتحدث المؤلف عن دورالهجمة الإستعمارية في تفكيك الإجماع الأهلي من خلال تحويل مسالك القوافل من البر إلى البحر والسيطرة على مصادر التموين بالحبوب في الحنوب ومسالك الحج في الشمال نحو الشرق قبل أن يتحول المستعمرمن سياسة التطويق إلى سياسة السيطرة المباشرة على الأهلين ومواردهم ،حيث نقل مركز الثقل التجاري والبشري من مدن الصحراء الي تألقت علميا وتجاريا عبر القرون إلى البحر فالنهرموطن النخب الاستعمارية الجديدة راعية التحديث في ظل الدولة الوطنية (ص 69)
يتكون الكتاب من خلاصة ومقدمة وسبعة فصول وخانمة وقد تناول الفصل الأول التحولات من المرابطين الى بتي حسان قبل عام 999ه 1591م وقد تناول في هذا الفصل مرتكزات مجالية وحضارية ظات تحكم توزيع المجتمع الأهلي وخصائصه ومحدداته ودور الخطوط الدولية لتجارة القوافل وأزدهار فقه المعاملات ممارسخ دور الفقهاء والقضاة في المجتمع كما تناول المؤلف حركة المرابطين ونتائجها على المجتمع والثقافة وكيف ظلت الذاكرة الجمعية لسكان البلاد محتفظة بالنموذج المرابطي كمرجع يقيسون عليه أتماط المشروعية الدينية والثقافية ثم يتناول الكاتب علاقة الحركة المرابطية بالمالكية والأشعرية عازيا أسباب ضمور الأشعرية في الإسلام المرابطي إلى طبيعة المذهب المالكي وكراهته لأساليب المنطق والكلام "إن هذه الخصوصية التي أمتازبها المذهب المالكي على مستوى نسقه الفكري هي مانحسبه البريق الذي ذهبت إليه جماعات صنهاجة الصحراء لكونهم بدوا رحلا لايستطيعون كحالهم مع العقدالأشعري تقبل الأنساق الفكرية التي تميل إلى التعقيد" (ص 123)
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تناول فيه المؤلف بتية المجتمع الأهلي في المدن وروافدها وتطورها التاريخي العام ودور القوافل وتاريخ مسالكها الدولية والمحلية في نشأة المدن وعلاقة ذلك بالبهجرات البشرية مركزا على تاريخ نشأة مدن مثل ولاته وتيشيت وودان وشنقيط وتجكجة والنعمة وقصرالبركة والرشيد وقصر السلامة منحدثا أن الحواضرالصحراوية نشأت بفعل العوامل التجارية والثقافية والدينية ولذلك كان تأسيسها وثيق الأرتباط بالمجموعات الدينية وفي مقدمتها الزوايا لأنهم هم المجموعة القبلية المختصة بالخطط الدينية والثقافية في المجتمع الصحراوي والناشطة في حقل التجارة (ص 190)
وفي الفصل الثالث يسعى المؤلف لتأصيل مصطلح الزوايا واختلافه عن الدلالة التقليدية في المشرق والمغرب ليدل على قبائل اختصت بالخطط الدينية والتجارة والحج والتدريس وعلاقة ذلك بتطور دور جماعة الحل والعقد في كل قبيلة زواية على حدة ثم يتلوذلك حديث عن أولية الطرق الصوفية من خلال التأريخ لتطور التصوف من خطاب زهدي قبل القرن الحادي عشر الهجري إلى تصوف طرقي مؤسسي راسخ على يد الشيخ سيدالمختارالكنتي في القرن الثاني عشر الهجري بوصفها أهم المؤسسات الطرقية في الإقليم في تلك العهود
أما الفصل الرابع فيتناول فيه المؤلف الأسس الفكرية والاجتماعية للسلطة الأهلية من خلال تتبع رؤية الفقهاء للواقع السياسي المعيش وتمثلهم له فيس الفتيا والمباحث السياسية وكيف سيرجحون نظرا فقهيا مؤداها احتفاظهم بقيادة المجتمع بوصفهم مصدرالشرعية والاحتفاظ منها للحاكم المتغلب بحد أدنى يحفظ وحدة الأمة –الجماعة أو مايعتقدون أنه كذلك مستشهدا بالمواقف الفقهية الصارمة ضد الحركات المهدوية كما عبرعنه كل من إبن الهاشم الولاتي وإبن الأعمش وإبن أبي المختارالحسني الذين وقفوا ضد حركة ناصرالدين متهمينها بخرق الإجماع الشرعي بتعريضها البلاد للفتن والحروب الأهلية إضافة إلى طابعها المريب في نظرهم (ص 259)
وفي الفصل الخامس على تحليل دورجماعة الحل والعقد المدينية في مواجهة الضغوط الجبائية والتسخيرية التي فرضتها العلاقات بين المدن والبوادي خلال العهد الحساني ونوع الأستراتيجيات التي واجه بها المعنيون تلك الأزمات انطلاقا من فقه النوازل الصحراوي عبر الحديث أزمة مكوس أهل تيشيت التي أسالت بحرا من مداد الفقهاء في المنطقة
وفي الفصل السادس يتناول لبعض مظاهربناء الإجماع في البوادي بين القبائل والزوايا الصوفية متحدثا عن دورالشيخ سيدالمختارالكنتي الذي أنتقل بزاويته من التحكيم إلى الشراكة مستعرضا دورالزاوية المختارية في التحكيم بين القبائل والكياتات السياسية الصحراوية قبل أن يكون لها مع تلك الكياتات نوع من الشراكة غير مصرح به ولكنه بالغ الأثرفي الحياة السياسية والأقتصادية لإقبيم الساحل (ص 349)
وفي الفصل السابع فيتناول الخطط الدينية موضع البحث عبر الحديث عن خطة الإمامة وتطورها وتاريخ المساجد في المدن وأشهرأئمتها ،وخطة القضاء وأشهر القضاة في المدن ،وخطة ركب الحج لدى المجتمع الأهلي في الصحراء مع التعرض للأصول التاريخية للخطة في إقليم الساحل متعرضا لمسارالركب ومحطاته " وكان ركب الحاج الولاتي يخرج من ولاته في تاريخ معلوم يقوده الحاج الأمين حتى يصل إلى واحات توات في الجزائرثم يقوده عبدالرحمن أبونعامة الملقب البكاي حتى تخوم فزان بليبيا ومنها يتسلم رئاسة الركب الشيخ المختاربن الطالب أعمربن نوح " (ص395)
كما ضم الكتاب ملاحق حوت وثائق تاريخية هامة من رسائل ونوازل وأتفاقات تاريخية ، يأخذ على الكتاب أنه أهمل الحديث عن مؤسسات المجتمع الأهلي في منطقة الضفة لاسيما في عهد الدولة الإمامية التي كانت تبسط نفوذها على الضفة اليمنى للنهر وقد أنشأت هذه الدولة كماهو معروف مؤسسات تعليمية كبيرة ورسخت تقاليد سياسية هامة مثل عدم توريث الحكم والأعتمادعلى مجالس شورى حقيقية إضافة إلى عدم رصد الأدوار الريادية لحركة ناصرالدين على مستوى منطقة القبلة وحتى الضفة اليسرى للنهرودورها في الأعتراض على تجارة العبيد مع السفن التيجارية الأوربية كما أغفلت الدراسة البحث عن وجود الوقف الإسلامي في الحواضرالصحراوية لاسيما تنبكتووولاته كحواضر تجارية كبيرة وهل كان هناك دور للتجارفي دعم الحركة العلمية والثقافية كما أن الدراسة لم تشمل بالبحث والتنقيب كامل منطقة ما يعرق باتراب البيضان فمناطق مثل الطرفاية من بلاد التكنة جنوب المغرب وأقاليم آدرار وتامراست في الجزائر وإييرقي شمال النيجركلها مناطق صحراوية بيظانية متصلة مع بعضها البعض لم نجد حديثا عنها في الدراسة ومع هذه الإنتقادات البسيطة يبثقى الكتاب إضافة نوعية في المكتبة الوطنية والإسلامية عن بلاد ظلمها أبنائها قبل أن يظلمها الآخرون
مدن القوافل 1591-1898
بقلم: سيد أعمر ولد شيخنا
صدرمؤخرا من مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت كتاب جديد بعنوان المجتمع الأهلي الموريتاني مدن القوفل (1591-1898م لمؤلفه الدكتور حماه الله ولدالسالم الكتاب الذي يقع في 479 صفحة يمثل في الأصل أطروحة دكتوراه للباحث ، تعتبر هذه الدراسة فريدة في بابها حيث نجد ولأول مرة حديثا عن وجود مؤسسات مجتمع أهلي في البلاد التي لم تعرف دولة مركزية منذ عهد المرابطين.
والمجال الترابي الذي يتحدث عنه المؤلف يتجاوز الحدود الحالية لموريتانيا فالمجال المدروس يشمل بالإضافة إلى موريتانيا مناطق أخرى مجاورة تربطها بها وحدة اللغة والعادات والتقاليد والنسب والتاريخ وهذه المناطق هي من الشمال (إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب وإقليم تيندوف ) ومن الشرق (إقليم أزواد ) وبذلك نتحرر من الفضاء السياسي وتصوراته المثيرة للجدل (ص 14) ،أماالمجال الزمني للدراسة فقد وصفه الكاتب بأنه منظم في حدان مميزان :أولهما( 1000ه/1591ه )وهوتاريخ سقوط مدينة تنبكتو كبرى مدن الساحل آنذاك ،في يد جيش المنصور السعدي وبذلك الحدث سقطت أقاليم مملكة سنغاي الإسلامية وانفرط عقد الاجتماع الأهلي الذي شيدته النخب الصنهاجية والسودانية وبذلك طويت صفحة من تاريخ المجتمع الإسلامي في الإقليم لتبدأ صفحة أخرى من نهضة المدن الصحراوية التي أستقبلت فلول النخب المشتتة ودشنت فصلا جديدا من تاريخ النظم الأهلية لن يتفكك إلا مع الإسنعمار في 1898م تاريخ الاحتلال الكامل للأحواز الشرقية من المجال الموريتاني ( ص 49) وحول تحديد مجال تمركز مؤسسات ونظم المجتمع الأهلي على خارطة الفضاء الشنقيطي يتحدث المؤلف قائلا يمكن القول إجمالا إن المجتمع الأهلي الموريالني كان متمركزا في موريتانيا الشرقية بالمفهوم الثقافي لبلاد البيضان ولاسيما في مثلث تنبكتو –ولاته –تيشيت وهي المدن الكبرى التي كانت معقل الثقافة العربية الإسلامية في البلاد إلى جانب مدينتي شنقيط وودان الشماليتين فضلا عن البوادي المرتبطة بذلك المثلث بوادي الحوض بوادي الرقيبة بوادي تكانت بوادي أزواد أما المناطق الغربية كبلاد القبلة (بلاد الترارزة ) وبلاد تيرس والساقية وما والاها فلم تعرف مؤسسات المجتمع الأهلي ونظمها الحضارية لكونها بقيت مناطق هامشية في تجارة القوافل الصحراوية ولم ينتظم منها راكب حاج كما أنها لم تعرف ظاهرة المدن والحواضر الثقافية والتجارية مطلقا ولايعني ذلك قصورا معرفيا ولا حضاريا بل هو نتيجة لأسباب تاربخية أكثر من عادية ستؤدي مع إنتصاف القرن التاسع عشرالميلادي إلى تحول مركز النشاط البشري والأقتصادي إلى منطقة القبلة وأحوازها وازدهار الحركة الفكرية في بلاد القبلة وتيرس وأحوازهما وتحول المناطق الأخرى إلى هامشية (ص 34)
يجزم المؤلف أن المجتمع الموريتاني عرف وجود مؤسسات ونظم أهلية ضمن مدن القوفل والبوادي القريبة منها وكان ذلك من أقوى تجليات الدور الاجتماعي للإسلام والثقافة العربية في المجال الذي يعرف قديمابلادشنقيط وقد درجت السوسيولوجيا الاستعمارية بروا فدها المختلفة على التأسيس لأفكار مغلوطة من قبيل مجتمع السيبة وطروحات الانقسامية مثل مجتمع بلادولة والمجتمع الهامشي والفوضى المنظمة وكلها أوصاف تؤسس للاستتباع ثم تسوغ للاستعمار ،ثم يشير الكاتب إلى أن المجتمع الأهلي يختلف شكلا ومضمونا عن المجنمع المدني فالمجتمع الأهلي هو الخطط الدينية والمؤسسات الأهلية المستقلة المسيرة من قبل النخب المشكلة من العلماء وقادة الطوائف والحرف وغيرهم من الأعيان التي تعبر عن الإجماع في المجتمع النابع من مرجعيته الشرعية وتجربته التاريخية في الاستقلال التي حققها منذ انهيار الخلافة الراشدة وفي موضع من الكتاب يشير المؤلف يقول المؤلف وواهم من يعتقد أن –جريا عاى سنن السوسيولوجيا الاستعمارية – أن البلاد الموريتانية كانت سائبة كليا بل عرفت منذ مغيب الدولة المرابطية وبسرعة تطورا سريعا لمايقي من أثار تلك الدولة على يد فقهاء مدن الساحل لم يلبث أن أستحال دورا شديد الحيوية لجماعة الحل والعقد في كل مدينة ترعى الخطط الدينية وتقوم على تسيير القوافل الحجية والتجارية وتسعى جاهدة لردع الفساد الأهلي وتطويق أثار الضغوط الجبائية عليه من قبل الظواعن أهل الشوكة ولم يكن ذلك ممكنا إلا بتأطير-ولو رمزي –من قبل القوى الحسانية بقيادة الأمراء والقادة الذين كانوا يلتزمون العقد الإسلامي السني ويبجلون المشايخ ويدينون بالولاء لكبارالعلماء (ص 68)
ثم يتحدث المؤلف عن دورالهجمة الإستعمارية في تفكيك الإجماع الأهلي من خلال تحويل مسالك القوافل من البر إلى البحر والسيطرة على مصادر التموين بالحبوب في الحنوب ومسالك الحج في الشمال نحو الشرق قبل أن يتحول المستعمرمن سياسة التطويق إلى سياسة السيطرة المباشرة على الأهلين ومواردهم ،حيث نقل مركز الثقل التجاري والبشري من مدن الصحراء الي تألقت علميا وتجاريا عبر القرون إلى البحر فالنهرموطن النخب الاستعمارية الجديدة راعية التحديث في ظل الدولة الوطنية (ص 69)
يتكون الكتاب من خلاصة ومقدمة وسبعة فصول وخانمة وقد تناول الفصل الأول التحولات من المرابطين الى بتي حسان قبل عام 999ه 1591م وقد تناول في هذا الفصل مرتكزات مجالية وحضارية ظات تحكم توزيع المجتمع الأهلي وخصائصه ومحدداته ودور الخطوط الدولية لتجارة القوافل وأزدهار فقه المعاملات ممارسخ دور الفقهاء والقضاة في المجتمع كما تناول المؤلف حركة المرابطين ونتائجها على المجتمع والثقافة وكيف ظلت الذاكرة الجمعية لسكان البلاد محتفظة بالنموذج المرابطي كمرجع يقيسون عليه أتماط المشروعية الدينية والثقافية ثم يتناول الكاتب علاقة الحركة المرابطية بالمالكية والأشعرية عازيا أسباب ضمور الأشعرية في الإسلام المرابطي إلى طبيعة المذهب المالكي وكراهته لأساليب المنطق والكلام "إن هذه الخصوصية التي أمتازبها المذهب المالكي على مستوى نسقه الفكري هي مانحسبه البريق الذي ذهبت إليه جماعات صنهاجة الصحراء لكونهم بدوا رحلا لايستطيعون كحالهم مع العقدالأشعري تقبل الأنساق الفكرية التي تميل إلى التعقيد" (ص 123)
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تناول فيه المؤلف بتية المجتمع الأهلي في المدن وروافدها وتطورها التاريخي العام ودور القوافل وتاريخ مسالكها الدولية والمحلية في نشأة المدن وعلاقة ذلك بالبهجرات البشرية مركزا على تاريخ نشأة مدن مثل ولاته وتيشيت وودان وشنقيط وتجكجة والنعمة وقصرالبركة والرشيد وقصر السلامة منحدثا أن الحواضرالصحراوية نشأت بفعل العوامل التجارية والثقافية والدينية ولذلك كان تأسيسها وثيق الأرتباط بالمجموعات الدينية وفي مقدمتها الزوايا لأنهم هم المجموعة القبلية المختصة بالخطط الدينية والثقافية في المجتمع الصحراوي والناشطة في حقل التجارة (ص 190)
وفي الفصل الثالث يسعى المؤلف لتأصيل مصطلح الزوايا واختلافه عن الدلالة التقليدية في المشرق والمغرب ليدل على قبائل اختصت بالخطط الدينية والتجارة والحج والتدريس وعلاقة ذلك بتطور دور جماعة الحل والعقد في كل قبيلة زواية على حدة ثم يتلوذلك حديث عن أولية الطرق الصوفية من خلال التأريخ لتطور التصوف من خطاب زهدي قبل القرن الحادي عشر الهجري إلى تصوف طرقي مؤسسي راسخ على يد الشيخ سيدالمختارالكنتي في القرن الثاني عشر الهجري بوصفها أهم المؤسسات الطرقية في الإقليم في تلك العهود
أما الفصل الرابع فيتناول فيه المؤلف الأسس الفكرية والاجتماعية للسلطة الأهلية من خلال تتبع رؤية الفقهاء للواقع السياسي المعيش وتمثلهم له فيس الفتيا والمباحث السياسية وكيف سيرجحون نظرا فقهيا مؤداها احتفاظهم بقيادة المجتمع بوصفهم مصدرالشرعية والاحتفاظ منها للحاكم المتغلب بحد أدنى يحفظ وحدة الأمة –الجماعة أو مايعتقدون أنه كذلك مستشهدا بالمواقف الفقهية الصارمة ضد الحركات المهدوية كما عبرعنه كل من إبن الهاشم الولاتي وإبن الأعمش وإبن أبي المختارالحسني الذين وقفوا ضد حركة ناصرالدين متهمينها بخرق الإجماع الشرعي بتعريضها البلاد للفتن والحروب الأهلية إضافة إلى طابعها المريب في نظرهم (ص 259)
وفي الفصل الخامس على تحليل دورجماعة الحل والعقد المدينية في مواجهة الضغوط الجبائية والتسخيرية التي فرضتها العلاقات بين المدن والبوادي خلال العهد الحساني ونوع الأستراتيجيات التي واجه بها المعنيون تلك الأزمات انطلاقا من فقه النوازل الصحراوي عبر الحديث أزمة مكوس أهل تيشيت التي أسالت بحرا من مداد الفقهاء في المنطقة
وفي الفصل السادس يتناول لبعض مظاهربناء الإجماع في البوادي بين القبائل والزوايا الصوفية متحدثا عن دورالشيخ سيدالمختارالكنتي الذي أنتقل بزاويته من التحكيم إلى الشراكة مستعرضا دورالزاوية المختارية في التحكيم بين القبائل والكياتات السياسية الصحراوية قبل أن يكون لها مع تلك الكياتات نوع من الشراكة غير مصرح به ولكنه بالغ الأثرفي الحياة السياسية والأقتصادية لإقبيم الساحل (ص 349)
وفي الفصل السابع فيتناول الخطط الدينية موضع البحث عبر الحديث عن خطة الإمامة وتطورها وتاريخ المساجد في المدن وأشهرأئمتها ،وخطة القضاء وأشهر القضاة في المدن ،وخطة ركب الحج لدى المجتمع الأهلي في الصحراء مع التعرض للأصول التاريخية للخطة في إقليم الساحل متعرضا لمسارالركب ومحطاته " وكان ركب الحاج الولاتي يخرج من ولاته في تاريخ معلوم يقوده الحاج الأمين حتى يصل إلى واحات توات في الجزائرثم يقوده عبدالرحمن أبونعامة الملقب البكاي حتى تخوم فزان بليبيا ومنها يتسلم رئاسة الركب الشيخ المختاربن الطالب أعمربن نوح " (ص395)
كما ضم الكتاب ملاحق حوت وثائق تاريخية هامة من رسائل ونوازل وأتفاقات تاريخية ، يأخذ على الكتاب أنه أهمل الحديث عن مؤسسات المجتمع الأهلي في منطقة الضفة لاسيما في عهد الدولة الإمامية التي كانت تبسط نفوذها على الضفة اليمنى للنهر وقد أنشأت هذه الدولة كماهو معروف مؤسسات تعليمية كبيرة ورسخت تقاليد سياسية هامة مثل عدم توريث الحكم والأعتمادعلى مجالس شورى حقيقية إضافة إلى عدم رصد الأدوار الريادية لحركة ناصرالدين على مستوى منطقة القبلة وحتى الضفة اليسرى للنهرودورها في الأعتراض على تجارة العبيد مع السفن التيجارية الأوربية كما أغفلت الدراسة البحث عن وجود الوقف الإسلامي في الحواضرالصحراوية لاسيما تنبكتووولاته كحواضر تجارية كبيرة وهل كان هناك دور للتجارفي دعم الحركة العلمية والثقافية كما أن الدراسة لم تشمل بالبحث والتنقيب كامل منطقة ما يعرق باتراب البيضان فمناطق مثل الطرفاية من بلاد التكنة جنوب المغرب وأقاليم آدرار وتامراست في الجزائر وإييرقي شمال النيجركلها مناطق صحراوية بيظانية متصلة مع بعضها البعض لم نجد حديثا عنها في الدراسة ومع هذه الإنتقادات البسيطة يبثقى الكتاب إضافة نوعية في المكتبة الوطنية والإسلامية عن بلاد ظلمها أبنائها قبل أن يظلمها الآخرون