تاريخ الإضافة : 05.01.2010 12:27
الشيخ ولد سيد عبد الله للأخبار : "أنا لست صحافيا مقارنة باهتماماتي الأدبية"
مع الوجه الموريتاني الشهير الدكتور الشيخ ولد سيد عبد الذي يجمع بين أعباء الصحافة وقضايا الأدب في حضوره الوطني أعدت وكالة أنباء "الأخبار" المستقلة هذا الحوار . ومع أننا في حضرة شاعر كبير وناقد بصير ورجل من أهم رجالات الثقافة في البلد فقد كانت أسئلتنا متنوعة حاولت أن تواكب سعة اهتمامات الضيف الكبير وقد رد عليها ضيفنا بكل أريحية وسعة صدر متعاونا معنا في خدمة الثقافة وتفعيل العمل الصحافي الذي يساهم ويساعد في إيجاد أرشيف ينفع الباحث ويوفر للقراء المتابعين فرصة التلاقي مع الرموز المهمة والشخصيات الفذة في الوطن الغالي.
الأخبار: كيف استطعتم أن تجمعوا بين محرر لصحيفة وناقد أدبي ومحلل في الشأن السياسي .. مع أن أي واحد منها كفيلة أن تستولي على كل وقت المهتم بها ؟
الشيخ ولد سيد عبدا لله: اعتقد انه لا تنافر بين الأدب والصحافة فكلاهما فن قائم على اللغة وعلى التجريب، واعتقد أن اغلب الصحفيين الناجحين لديهم خلفيات أدبية، وأنا اعتمد في اختياراتي المهنية على الهواية أولا . بحيث أنني لا أرغم نفسي على الخوض في القضايا التي لا استهويها .
ولقد كنت عاشقا للأدب والشعر منذ الصغر، وحين كتب لي أن أتخصص في دراساتي اخترت الأدب رغم عدم ضعفي في الاختصاصات الأخرى يومها، وقد برزت عندي موهبة الكتابة مبكرا حينما كنت مكلفا بتقديم إنشاء مدرسي كل مساء خميس، وبسبب هذه المهمة كنت أدون التراكيب والصور البلاغية الجميلة التي أمر بها في مطالعاتي ومن ثم استخدمها في الإنشاءات التي كنت القيها أمام التلاميذ بتكليف من المعلم .
ونظرا لهذه الهواية (الكتابة) طمحت إلى أن انشر في الصحف منذ نشأتها، وقد التحقت في تسعينات القرن المنصرم بجريدة (السفير) التي يديرها الزميل عبد الرحمن ولد الزوين الذي اعتبره أول من فتح لي الباب إعلاميا، حيث كان ينشر لي بعض المقالات والخواطر إبان تواجدي في نواكشوط خلال العطلة الصيفية .
فهذه إذن – باختصار- حكاية الأدب والصحافة، وخصوصا النقد الذي يقومان عليه .
أما بالنسبة للتحليل السياسي فهو ليس مهنة ولا حكرا على احد، رغم أن البعض يحاول أن يجعل من حبته قبة، هو مجرد جمع بعض المعطيات ومحاولة تفسيرها وفق منطق الشخص ورؤيته وغزارة المعلومات لديه .
ورغم ذلك كله يظل الأدب عشقي الأول والأخير .
الأخبار: لماذا تكثرون في مداخلاتكم ومحاضراتكم الاستشهاد بمقولات وأفكار لغربيين وأوربين على حساب الثقافة والتراث العربيين؟
الشيخ ولد سيد عبد الله: يجب أن ندرك أن النظريات النقدية المعاصرة كلها ذات أصول غربية شئنا ذلك أم أبينا، فأنت عندما تريد الحديث عن نظرية أدبية معاصرة فانك لا محالة سترتهن إلى منهج نقدي معين، وكما يقول نجيب محفوظ : " كل المناهج النقدية عندنا انعكاسات لفلسفات غربية لم تتأصل في بيئتنا".
ففي النقد نحن نتعامل مع نص معين، فمصطلحات من قبيل : النص و الخطاب والشعرية والميتانص وموت المؤلف و أفق المتلقي وغيرها ... كلها ذات منشأ غربي نحاول اليوم تطبيقها على أدبنا العربي.
ولست تعدم في الدراسات النقدية العربية اليوم وجود بعض من يحاولون إرجاع النظريات النقدية الغربية إلى أصول عربية ، بحيث تجدهم يرجعون مصطلح التناص أو النص الغائب إلى قضية السرقات الشعرية القديمة، ومصطلح الشعرية إلى مسألة عمود الشعر، لكنك لن تجد اتفاقا على مصطلحي النص والخطاب .
فانا لا استخدم المصطلحات النقدية الغربية إلا في موضعها كما أنني لا استطيع أن ادرس القصيدة العربية في العصر العباسي أو عند الشعراء الشناقطة إلا بالعودة إلى عمود الشعر ونظرية المرزوقي أو ابن قتيبة ومفهومه لقصيدة المدح وغيرهما من النقاد القدامي .
الأخبار: مع أنك شاعر في الغالب لا تستضافون في التظاهرات الأدبية للإلقاء ، مالسبب في رأيك؟
أنا انتمي لجيل التسعينات في الشعر وقد كنت مدمنا على كتابته وإلقائه في عدة مناسبات ما عدا (مناسبات النفاق والتملق والتزلف)، وقد أصبحت مقلا فيه، والسبب هو أنني وجدت أن النقد يأخذ جل وقتي إضافة إلى اهتمامات أخرى، والحقيقة أنني أوشكت مرة على أن اهجر الشعر وكتابته وذلك في مرحلة صدمت أنا والكثير من رفاقي في فهم الانتلجانسيا الوطنية للشعر ودوره .
ورغم ذلك فقد صدر لي ديوان : "لسان بين الشوك" عام 1998 وحصلت على عدة جوائز من بينها جائزة اليوم العالمي للشعر بالمغرب عام 2004 .
ومع هذا كله لا زلت استدعى إلى اليوم للمناسبات الشعرية ولكنني اعتذر دائما لأنني لا املك نصا جديدا فاغلب شعري يعرفه الجميع ممن جمعتني وإياهم سنوات المس الشعري .
لماذا دائما في جريدة الأخبار تخصصون صفحة لنشر مذكرات لزعماء مثل "مانديلا" "بريماكوف" في وقت نحتاج فيه إلى نشر الإنتاج المحلى والعربي بشكل أكثر؟
الشيخ ولد سيد عبد الله: نحن لم نتجاهل نشر الإنتاج المحلي خصوصا وأننا نتابعه باستمرار، ولكن ما ننشره من مذكرات وكتب هو عبارة عن بعض الأعمال النادرة والتي نعتقد أنها لما تصل بعد إلى القارئ الموريتاني، لأنها إما كتب نفدت طبعاتها أو أخرى منعت من التوزيع في بلدانها .
وبالنسبة لكتب المذكرات في موريتانيا فهي متاحة للجميع رغم قلتها في الأصل .
الأخبار: لكونك مختصا بقضايا الأدب لماذا لا ينعكس ذلك جليا على صفحات جريدة الأخبار فتهتمون بإجراء المقابلات الأدبية وإعداد التقارير والملفات في الموضوع بشكل دائم ومستمر ؟
الشيخ ولد سيد عبد الله : اعتقد أنكم غير متابعين لجريدة "الأخبار" فنحن الآن نملك أرشيفا من المقابلات الثقافية التي تم نشرها على صفحات الجريدة مع شعراء وكتاب ومسرحيين ورسامين ومطربين وغيرهم من ممهتني الثقافة الإنسانية .
إضافة إلى أننا نحتفظ بأرشيف من المقابلات السياسية عن تاريخ موريتانيا الحديث وقد نشرت هي الأخرى، واليوم هناك صفحة ثقافية ثابتة في الجريدة مهتمة بالقضايا الثقافية عموما، مع العلم أن الثقافة ليست الأدب فقط .
الأخبار: كيف تنظر إلى غد الصحافة الموريتانية؟
الشيخ ولد سيد عبد الله : اعتقد أن الروح التي يتمتع بها المكتب التنفيذي للنقابة تشجع على التفاؤل بمستقبل أفضل للصحافة ذلك أن المكتب عبارة عن مجموعة من الصحفيين ذوي مشارب و خلفيات فكرية متعددة، ومع ذلك يطبع الانسجام والشعور بالمسؤولية علاقات الجميع .
وهنا يظل التفاؤل قائما إذا لم تتحرك الأيادي الخفية لزحزحة القاطرة عن سكتها وذلك ما لا نرجوه رغم أن ابتعاد تلك الأيادي عن التدخل في سير الانتخابات يشجع على القول بأنها ربما ترغب هي الأخرى في إصلاح الحقل .
الأخبار: يقال إن الصحافة في موريتانيا مغزوة من قبل الأدعياء كيف ذلك ؟
الشيخ ولد سيد عبد الله: الصحافة مثل كل المناحي المهنية تحمل في داخلها الصالح والطالح، واعتقد أن الظرف الأخلاقي الذي كان سائدا في البلاد هو الذي شجع البعض على ممارسة التردي الأخلاقي في هذه المهنة الشريفة، بل إن الحكومات كانت تشجع على ذلك عندما تخلق لوبيات إعلامية تدافع عنها بالكذب وتستر تجاوزاتها مقابل رواتب من خزينة الدولة لا علاقة للقانون بها .
وأتمنى أن تتمكن هذه النقابة الجديدة بالتعاون مع الشركاء وحتى المواطنين المعنيين بالرسالة الإعلامية أولا من تنقية الحقل وإعادة توازنه .
الأخبار : خرمت القاعدة أوان تقديمك لبرنامج "شاعر الرسول " حين كنت صحفيا مقدما وفي نفس الوقت ناقد تعلق على ما يلقى من إنتاج . كيف تبين ذلك؟
أريد هنا أوضح للجميع أنني لست صحافيا مقارنة باهتماماتي الأدبية والنقدية، فانا عندما التحقت بالتلفزيون أردت أن اخدم الأدب والثقافة الموريتانيين، ولهذا فقد أتحت الفرصة للكثير من الوجوه التي غيبت مدة من الزمن بسبب انه لم يكن هناك برنامج ثقافي أكاديمي في مستواها.
والحقيقة أن إدارة البرامج في التلفزة وبسبب أن القائمين عليها لديهم خلفيات أدبية فقد استطعنا جميعا أن نلتقي عند فكرة إبراز النتاج الثقافي الموريتاني، وإتاحة الفرصة لأصحابه من اجل الظهور الإعلامي والحديث عن انتاجاتهم، ولهذا لم تتدخل الإدارة المذكورة في يوم من الأيام في شكل ونوعية الضيوف التي كنت أستضيفها بل إنها كانت تترك لي فرصة اختيارهم وهذا بدوره عامل أساسي من عوامل نجاح الأعمال التلفزيونية والقائمة في أساسها على مستوى المقدم .
أما من حيث تدخلي النقدي في برنامج "شاعر الرسول" فانا اعتقد أن ما قمت به إن لم يكن محمودا فليس مذموما على الأقل، خصوصا وان دوري لا يتعدى تلك الملاحظات التي أبديها بدافع من تخصصي ورغبة مني في كسر الصورة النمطية للمقدم أو المذيع .
إن قرارات لجنة التحكيم كانت تتم بالتشاور بينها وحدها بل إنني أحيانا لا اعرف نتيجة الحلقة إلا قبل تقديم الموالية لها بوقت قصير .
الأخبار: قلت مرة إن عندك ملء الجوانح من الملاحظات النقدية على النقد في مسابقة أمير الشعراء ، هل لديك في المقابل ملاحظات نقدية على النقد في تجربة مسابقة "شاعر الرسول " ومسابقة "البداع" المحليتين؟
الشيخ ولد سيد عبد الله: من البديهي أن لا اتفق تارة مع قرار للجنة التحكيم ولكن ذلك لا يعني أن الصواب بجانبي فربما كنت أنا المخطئ في تصوري، ومن وجهة نظري الشخصية اعتقد أن لجنة تحكيم البرنامج كانت على مستوى جيد من التمكن والحياد وهذا ما شهد به الكثيرون بالرغم من أن العمل الإنساني سمته القصور وعدم الكمال .
الأخبار: كيف تنظر إلى الحركة الشعرية المعاصرة في موريتانيا؟
الشيخ سيد عبد الله : خلافا للكثيرين اعتقد أن موريتانيا اليوم تعيش طفرة شعرية هامة بل وتحولا كبيرا في الذائقة الشعرية بحيث أصبح لأجناس الكتابة كلها مريدون ومتلقون مستعدون للإنصات والاستيعاب .
وفي نظري أن المهرجانات والبرامج الأدبية في موريتانيا وخارجها أعادت للشعر بعضا من ألقه في البلاد، ومع ذلك يظل البعض من شعرائنا الشباب بحاجة إلى المطالعة والإنصات لحركة الشعر العربي اليوم والوقوف عند النظريات النقدية الجديدة حتى يرقى نصنا الشعري للمنافسة .
الأخبار: ماهو تقديمك للروح التي استقبلت بها موريتانيا إعلان نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية؟
الشيخ ولد سيد عبد الله: بطبيعة الحال ليس هناك مجال للاستغراب إزاء اختيار أي شبر من موريتانيا رمزا للثقافة الإسلامية، ولكنني أخشى أن يعتقد الجميع أن هذه مجرد مناسبة ثقافية عادية ويتم التصرف إزاءها تبعا لذلك، فيما هي عبارة عن إنزال صورة موريتانيا العلمية على المحك وأمام جميع مسلمي العالم .
ومع ذلك فلدي شعور بالاطمئنان إزاء تعيين شخص من المهتمين بالثقافة العربية والإسلامية على رأس هذه التظاهرة، و الحقيقة أن الوقت لا زال مبكرا على الحكم.
الأخبار: تولد عند البعض إحساس بعدم مصداقية مسابقة اتحاد الأدباء الموريتانيين الأخيرة حين فزت أنت بجائزة البحث وفاز الأستاذ محمد الامين ولد احظانه بجائزة القصة رغم كفاءاتكم المعروفة إلا أن قربكما من الاتحاد ولد ذلك الإحساس فأنت عضو في مجلس إدارته والأستاذ ولد احظانه من المقربين منه ، كيف ترد على هؤلاء؟
الشيخ ولد سيد عبد الله : بالنسبة لفوزي بجائزة البحث العلمي فقد كنت المشارك الوحيد في هذا المحور من المسابقة بحيث لم أجد منافسا واحدا رغم الوقت الكافي الذي أتيح للجميع، فانا نافست نفسي بنفسي .
واعتقد أن على المشككين في الجائزة أن يعودوا إلى البحث ويقرؤوه ( وهو منشور على عدة مواقع) فإذا كان غير مستحق لها قبلت احتجاجهم أما محاولة إدراج المسألة في قضايا شخصية بين البعض والبعض الآخر فلذلك أهله، والمتبرعون له بالوقت .
وبالنسبة لقضية الخصم والحكم فانا لست من لجان التحكيم ولم احضر منذ تسليمي للبحث المشارك إلا يوم افتتاح المهرجان، واعتقد أن الشكوك التي يدور السؤال حولها لم تكن في (محور النقد) الذي لم يجد من بين كل محاور المهرجان مشاركا غيري .
شكرا دكتور







