تاريخ الإضافة : 30.10.2010 11:08

النداء الأخير (قصة قصيرة)

أحمد ولد إسلمAhmed3112@hotmail.com

أحمد ولد إسلمAhmed3112@hotmail.com

وحده لم يكترث بالنداءات المتلاحقة لموظفي الطيران، ربما لأنه تعود عليها وصار يميز بعض الأصوات في عدد من المطارات الدولية، وفيما يتدافع العشرات من ذوي السحنات والألسنة المختلفة، كانت عينه على الشاشة العملاقة المنصوبة على المدخل يبحث عن أوان وصول طائرة من مونتريال الكندية، لم يظهر الوقت بعد، وقد لايظهر أبدا.
تجلس مسنة أوروبية أضناها الوقوف بجانبه، وتسأله بلغة انجليزية فصيحة:
- متى تبدأ رحلتك؟
- الساعة الرابعة مساء
- ولم تننظر هنا، أليس لديك حجز في فندق؟
- بلى لدي، ولكني أستمتع بالجلوس هنا
- هل تنتظر أحدا؟
- لا
- هل تودع أحدا
- لا
التفتت عنه وقد أزعجتها إجاباته المقتضبة
ألقى نظرة على اللوحة واستغرق في مراجعة دفتر ملاحظاته..
" قبل عام كنت هنا في هذه القاعة أنتظر النداء الأخير قبل الإقلاع ألقت علي التحية ملاك أسود – كثيرا ما يضحك حين يقرأ هذه الملاحظة في يومياته حتى إنه يعود إليها كلما رغب في تغيير مزاجه ربما يكون اول من جاء بهذا الوصف- كان فستانها الأبيض المنسدل إلى قدميها وابتسامتها الناصعة هي كل ما يمكن أن تميزه حين تطفأ الأنوار.
كانت خطوط الحنة الموريتانية المتقنة تكافح جاهدة لإثبات وجود على ظاهر المعصم، سالتني: أين تتجه؟
- إلى مونتريال
- واو.. أنا أيضا إلى مونتريال، سافرت اليوم أول مرة بالطائرة، يقولون إن الرحلة ستستغرق عشر ساعات من مطار شارل ديغول، حدثوني عن طائرة الإيرباص العملاقة، حيث ستتاج فرصة مشاهدة التلفزيون وإجراء اتصالات هاتفية..
آآخ.. هل تعلم؟! لقد قطعت نياط قلبي اليوم حين قالت المضيفة إن علينا إغلاق هواتفنا، نسيت هاتفي مفتوحا، فجأة مرت بي المضيفة فتذكرته، خفت ان يسجنوني، لا أحفظ رقم أي أحد في فرنسا، لم أغادر بلدتي النائية قبل أمس، جئت ساعات قبل موعد الطائرة،.. هل تستمع إلي؟
كنت مشدوها أدرس تضاريس جديدة لم أعرفها اثناء سنوات خبرتي الطويلة في مجال الجغرافيا..
- هل تستمعني؟
- نعم .. نعم.. لا شك أنك ستدهشين حين تصلين إلى كندا
- أكثر ما يريعني ما سمعته عن برد كندا، يقولون إن أحد أقاربي كانت ينظف غرفته فسكب ماء تحت الباب، وخلال دقائق لم يستطع فتح الباب فقد تجمد الماء.
.... هل يمكن أن تصف لي المتيرو؟ يقولون إنه يسير تحت الأرض، لم أستطع تخيل ذلك... أنا لا أعرف استخدام الشوكة والسكين، كان الراكب الفرنسي المتجعرف بجانبي ينظر إلي ويبتسم، لقد كرهته، رمقني باستحقار وقال: ليس بهذه الطريقة، لكنه لم يشرح لي كيف أتصرف... لست معقدة من ثقافتي، وسأصر على أن آكل بيدي في أرقى مطاعم تورنتور ومونتريال، سيضحكون ولكني لن أكترث...
النداء الأخير قبل الاقلاع: إلى جميع الركاب المتوجهين إلى مونتريال...
- هل هذه طائرتنا؟.. إن كانت هي فلنقم بسرعة، أريد أن أجد مكانا في مؤخرة الطائرة، يقولون إن الذين يجلسون في المقاعد الخلفية كثيرا ما ينجون في حوادث الطيران، لكن هيا بسرعة..مسكت طرف سترتي.. لن أفارقك أبدا حتى أصل إلى المطار.
- ولكن هل ستفارقيني بعد ذلك؟
- لدي تذكرة ذهاب وعودة، إن لم تعجبني مونتريال أو لم أستطع التكيف معها، سأعود في مثل هذا اليوم من السنة المقبلة.. يقول زوجي إنها ستعجبني، لا أعرف إن كان صادقا، أنا أصلا لا أعرفه، قد لا أستطيع تمييزه من بين المستقبلين، لقد زوجني أبي منه لأنه ابن عمي، رأيت صوره عند أخته، ليس وسيما، لكنها تقول إنه يعمل في شركة، ربما يكون نادلا في مطعم، دائما يتكتم الشباب في الخارج على حقيقة وظائفهم.
لكن هيا إنها طائرتنا..
- لا.. لست مسافرا على الخطوط الجوية نفسها..
- لا.. لا.. لا تقل ذلك.. -انهارت بين يدي-..: لم أكد أصدق أني وجدت منقذا.. لا لا
- الأمر بسيط ليس أكثر صعوبة من رحلتك السابقة.
النداء الأخير قبل الإقلاع.. السيدة فاطمة.... إنه اسمي، لقد تأخرت، أرجوك أرني الطريق، رافقني إلى البوابة، أكتب لي رقم هاتفك في كندا، هنا على هذه الورقة، انا لا أعرف الكتابة، الهاتف قد يضيع مني.. أرجوك ساعدني..."
***
بدأ الجميع يأخذون أماكنهم على متن الطائرة، ألقى نظرة من النافذة على الطائرة المجاورة التي وصلت للتو، كان ملاك أسود ينزل من السلم، متأنقا، يحمل على كتفه الأيسر حقيبة جلدية ويضع نظاراته.. بدا واثقا وهو يوزع نظراته على الجانبين.. قبل أن يغيب في سيل من الركاب المستعجلين الوصول.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025