تاريخ الإضافة : 05.04.2010 12:44

" الأقفاف" أدب المحظرة الموريتانية

مختصر خليل يشكل رافدا من أهم روافد الثقافة الموريتانية

مختصر خليل يشكل رافدا من أهم روافد الثقافة الموريتانية

نظرا لمكانة مختصر خليل في الثقافة المحظرية الموريتانية تولد أدب نثري في موريتانيا عرف بأدب الأقفاف نسبة إلى أقفاف كتاب خليل الذائع في هذه البلاد. وقد قسم الموريتانيون كتاب خليل لاهتمامهم به إلى أقفاف ليسهل على الطلاب حفظه. والأقفاف جمع "قف" – التي هي كلمة معناها توقف هنا، كانوا يكتبونها عند نهاية كل درس فقهي مستقل كي يتوقف عنده الطالب وليتم بذلك تقسيم المختصر إلى وحدات معروفة - فصار القف عبارة عن وحدة درسية تقدم درسا فقهيا واحدا حول موضوع كالزكاة ونحوها.


ثقافة وأدب

اصطبغ أدب الأقفاف بصبغة أسلوب خليل في المختصر لمحاكاته له
؛ تلك المحاكاة التي استمد منها هذا الأدب قيمته وطرافته ونكهته. كما تعكس الثقافة المحظرية في موريتانيا عموما تأثرا بالغا بهذا المختصر في نواحي عدة فمثلا تشتهر قصة امرأة موريتانية نبهت رجلا أراد أن يدخل غرفة كان يوجد فيها وقتها رجل اسمه الطاهر بينه وإياه خلاف فقالت:
أول فصل من فصول المختصر في البيت جالسا فخذ منه الحذر

إشارة إلى أول فصول مختصر خليل: " فصل الطاهر ميت ما لا دم له والبحري ولو طالت حياته"

بعض مقولات المختصر أيضا صارت أمثلة تستخدم يوميا في خطاب المجتمع العادي مثل: " فلا إشكال" - هي آخر كلمة من كتاب خليل - أصبحت مع مرور الزمن مثلا موريتانيا يقال للدلالة على أن الشيء وصل إلى القمة والنهاية فتقول ـ حسب لغة المجتمع اليوم ـ فلان وصل "فلا إشكال" في الشيء معناه وصل إلى أعلى مستوى فيه. كما تستخدم بشكل واسع كلمة " وإن مع تبرد"


أدب يخاطب المجتمع

يقول المرحوم جمال ولد الحسن في قف يحاكي فيه أسلوب خليل وينتقد حلاقة معينة للرأس تسمى " إيي" كان يقوم بها بعض الشباب خلال فترة السبعينات من القرن الماضي:

"إيي طهارة من دين وخلق معا لا أحدهما ، استظهرت لشاب يعيش في مطلق حضر في هذا القرن، وللذي قبله بخلافه. وسن لها قميص زركش وبنطلون ضيق الأسفل متسع الأعلى.."


يقول كاتب آخر في سياق آخر منتقدا وضع التعليم والمعلم في البلد

"باب إنما يمتهن التعليم عاجز، عدم مناولا واتصف بجهل ركب ورقة في دين، ولم ينصح، وتشبع بحالة تكذب، وتحرر من كعرف، وسلوك حسن ووجب حلق لحية وإطالة شارب وإبط كظفر وهجر مسجد وصلاة في غير وقت، وجامل إن حضر كبير ولم يتوضأ، واستحسن تدخين وهل بالمجحف أو بالأحدث تأويلان؟
وجاز مس أجنبية ونظر تكرر وهل مطلقا أو إن قصد لذة تردد؟ وعزوبة ولو وجد الطول وخشي العنة"


استنطاق للقفين

عالج المرحوم جمال في "قفه" ظاهرة اجتماعية تمثلت في حلاقة غير محترمة في نظره ؛ ربما كانت بداية التأثر بالثقافة الغربية والسلوك الغربي في موريتانيا التي أعلنت حديثا استقلالها السياسي هكذا يريد أن يقول ، يظهر جمال في القف وهو ناقم وناقد لؤلئك الذين تطهروا من الدين والأخلاق معا لا أحدهما فجربوا "أيي" قاطعين حبال التواصل بين ماضيهم المجيد وحاضرهم الذي لوثته " أيي" . جاء القف مشحونا بأسلوب خليل " استظهرت".. "معا لا أحدهما".. "وسن لها".. القف عبارة عن نص أدبي خرج من مشكاة الفقه.



أما القف الآخر فهو "خليلي" من الطراز الأول بالغ صاحبه في التضخيم والتهويل إزاء وضع المعلم والتعليم. فقال إن مهنة التعليم لا يزاولها إلا جاهل منحل الأخلاق ناقص الدين في هذا البلد متوكئا في تعبيره على المختصر فاستخدم " ووجب" .. "واستحسن" .. " من كعرف" وكلا "القفين" يقدم نقدا اجتماعيا لظواهر ويعطي صاحبه دور الرقيب . القف الأخير هو الآخر ليس إلا نصا أدبيا خرج من مشكاة الفقه.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025