تاريخ الإضافة : 21.04.2013 14:10

يقولون : ماضينا عـبء علينا

باب أحمد ولد بادي

باب أحمد ولد بادي

قد يكون الرجوع إلى الماضي حسب البعض ضربا من الرجعية و الظـلامية المقيتة في الوقت الذي يكون الابتعاد عنه ضروبا من الجهالة و الانسلاخ الفكري والثقافي ونكران الذات لأن حاضر الأمم لايمكن فصله عن ماضيها كما أن ذاك الماضي يمثل الهوية التي تميز الأمم بعضها عن بعض.

إن تقدم المجتمعات فكريا وسياسيا و علميا وثقافيا...مربوط بالتمسك بإيجابيات الماضي، لكن قد يقول قائل ما لذي جنيناه من الماضي سوى التخلف والجهل والصراع الطائفي و العرقي ؟ فـلماذا إذن نحن إلى ذاك الظلام الحالك وشمعة التقدم والرقي أنارت للأمم من حولنا طرق التقدم والعيش الكريم. يا أخي قارن بين الانسان العربي مثلا في وطنه والغربي في وطنه ، يعيش الأول ذليلا حقيرا مكبلا بقيود الماضي الموروثة عن عصر الظلمات ،فالقبيلة والطائفة يتحكمان في شؤون الافراد من الطفولة وحتى البلوغ في الوقت الذي استنشقت الأمم من حولنا نسيم الحرية والكرامة بحيث أصبح الفرد في الغرب يتحكم في مستقبله بل يشارك واقعيا في صنع القرارات السياسية. أما نحن فنتوافد إلى تلك البلدان فرادى وجماعات هربا من الظلم والاضطهاد تحت جنح الليل سعيا لحياة أفضل. ومن هذه المقارنة قد يسأل البعض ما لذي اكتسبناه من ماضينا إذا كان هذا هو حاضرنا ؟

يخطئ البعض عندما يعتبر أن الابتعاد عن الماضي ضرورة يفرضها الواقع المعاصر بدعوى أن ذالك الماضي لم نجني منه سوى سفك الدماء وتصفية الحسابات في عصور الخلافة الـراشـدية والأمـوية والعباسـية...لكن إذا كانت تلك الفترات اتسمت بالصراع الدموي مع الأسف فإن ذالك قد لا يكون مبررا للابتعاد عنه وذكر السلبيات وغض النظر عن الايجابيات. فقد عرفت كل الحضارات صراعات سياسية واجتماعية واقتصادية...لأن الانسانية على مر العصور لم تعرف الاستقرار السياسي والاجتماعي بالمفهوم الحالي وبالتالي فإن تشبيه تلك العصور بالعصر الحالي قد لا يكون واردا. فلـكل عصر خصوصيته ولكل حضارة مميزاتها لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي الذي تنزلت فيه تلك الأحداث.
لقد اثبتت تجارب الأمم من حولنا أن أي نظام سياسي لابد أن يستمد وجوده من ثقافة المجتمع التي هي نتاج الماضي بكل تجلياته. فلا وجــود لنظام لا يستند المجتمع فيه إلى ثقافته وماضيه. فلم يترك المجتمع الياباني موروثة الحضاري والثقافي عندما أراد التقدم والنهوض بل أسس نهضة علمية وتكنولوجية بالتوازي مع التقاليد اليابانية الأصيلة لأن أصالة الأمم وثقافتها تشكل الحصانة الفكرية للفرد من أي غزو ثقـافي أو فكري بحيث أن التراث لا يعيق عجلة التقدم مهما كان ذاك التراث.
ومن المعروف أن المجتمع الياباني من أكثر شعوب العالم محافظة وتمسكا بالتراث والتقاليد و رغم استفادته من الثقافات الاخرى وخاصة الثقافة الغربية ، لم يحاول هذا المجتمع - الذي يدار عن طريق امبراطورية عملاقة موزعة جغرافيا على ارخبيلات لا تستيقظ إلا على زلزال - الانسلاخ من تلك الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ لأن ذاك التاريخ هو الذي يشهد على عظمة الأمم فلماذا إذن نلام عندما نحّن لماضينا؟
لقد استطاع اليابانيون تحقيق نهضة علمية وتكنولوجية كبرى رغم الحروب والنزاعات. كما أن المناهج التعليمية وبرمجيات الفيزياء والرياضيات - مثلا - في الحاسوب تتم باللغة اليابانية وليس بالفرنسية أو الانجليزية .فلو كان الموروث الثقافي والحضاري للأمم يحول دون التقدم لما وصلت اليابان إلى ما وصلت إليه بل لبقيت ترزح تحت وطأة التيه ولعنة الجهل والتخلف.
لم يلجأ الغرب المتقدم إلى الحضارة الصينية مثلا وإنما شرع في نقد الحاضر نقدا عقلانيا ينبع من إحساس عميق بضرورة تجاوز أسباب التخلف والبحث عن أسس التقدم والرقي. فلم يكن تقدم الغرب بالثورة على التراث الثقافي والحضاري بل بنقد الواقع على أسس عقلانية وموضوعية بل مازال التاريخ الفرنسي والانجليزي يدرس بحذافيره في الجامعات والأكاديميات بوصفه جزء من الهوية الفرنسية أو الانجليزية لا يمكن تجاوزه.
صحيح أن سبب تخلفنا قد يعود إلى التمسك ببعض العادات والتقاليد البالية التي تعطي امتيازات لبعض الافراد على حساب الفرد المواطن ، لكن النقد والتمرد اللاعقلاني على التقاليد والموروث الحضاري قد لا يكون حلا لمشاكلنا الراهنة في الوقت الذي علينا أن ننقد التراث نقدا عقلانيا يهدف إلى تجاوز سلبيات الماضي والتأسيس لحاضر براق ومستقبل مشرق.

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025