تاريخ الإضافة : 25.02.2013 11:29

انفــــلات!!

محمد ولد الراجل

محمد ولد الراجل

تنطوي الأيام حاملة من المآسي ما عجزت عنه السنون الغابرة، تاركة المكلومين في معاناة البؤس والاضطهاد يطاردهم شبح الذل والمهانة في كل حين ومكان.. لم يعد الحاضر سوى حلقة عذاب من الواقع الذي بتنا نعيشه منذو فترة،، ناهيك عن مستقبل تدل المؤشرات أن ظلمته أحلك!!

1
حينما يكون الإنسان يتصور في نفسه أنه فيما يفترض أنه وطن، فإن السكينة والهناء يضربان بأعماق كل حر عود مخيلته على "موريتانيا" الحبيبة..
الوطن عقيدة يؤمن بها الممسكون بقيادتنا، ثم هو عقلية يتربى عليها المواطنون في كنف الكرامة، والتطلع نحو الرقي والازدهار.. وليس من سبيل لذلك ما لم يحس البائسون الفقراء أن المعنيون بإدارة الشؤون العامة يحترمونهم، وأن أجهزة الدولة في خدمة المواطن.. بهذا؛ و به وحده يمكن أن نرى مسيرتنا الحقيقية في الطريق نحو "الوطن".
لكن حينما يبقى قانون الغاب،، وانقلابية الأسد المفترس سائدة في الواقع فإن شيئا آخر سيكون.. لم بعد المسكين في أحزمة الفقر والتهميش في ضواحي نواكشوط يفكر في غير أن يصل لبيته بسلام... عصابات إجرام، ومافيا سرقة، وباعة مخدرات، وعابثون بالأمن.. هذه صورة الوطن المسكين، يزيد معاناته لهو الحاكمين بالسمسرات، وفتح العلاقات مع قيادات المافيا التجارية العالمية.. وَلْيمتْ كل مواطن تحت وطـأة التهميش والتفقير،، وهَماّ أكبر تطلبه العصابة المارقة عن المألوف... هَماّ كبيرا.. هو سرقة أكبر كم في أضيق وقت!

2
في أحد أماسي الحزن يخرج المسكين "الحسن ولد السالك" من سوق العاصمة بجسم أنهكه الكدح، وطلب الكسب الحلال، يحلم في أن يرى من نفسه كفافا لوالدته، التي لا تتجاوز أن تكون إحدى المنسيات الكثيرات المغفول عنهن.

خرج ولد السالك برأسه الشامخ، وجهاده الكبير حاملا في ذلك الجسم النحيل معاني من الصبر والتحمل.. خرج ولم يكن إلا قطعة أمل تدور بخلجات "أم الحسن" في وحيد علقت عليه آمال، ولو تزينت الأرض بأرقى حلل الجمال، وذهب الفكر في الأمل البعيد من الأم المكلومة لما كان إلا ذلك الفتي "الحسن ولد السالك".
وكان ما كان.. اعترض الفتى في الطريق أحدُ الآثمين، فحصد المعتدي روحَ الحسن، وذهب لشأنه ليقال إن القبض ألقي عليه في الأيام الأخيرة..
للتحقيقات دورها، وللقضاء كلمة الفصل، لكن ليس للأم في قاموس المتجبرين أي حق في التعزية والمواساة، فلا يعدو ولد السالك أن يكون فرد من الملايين الذين انشغل عنهم القوم في القمار والمراباة!
ولا كلمة واحدة.. بل إن تصرفات وكلاء المافيا لم تتعد الوقوف في وجه المتضامنين مع أسرة آل الحسن، فعبارات التشهير، وسياط الجلادين وحدهما ما ضيف به القومُ المتضامنين أمام ما يفترض أنه إدارة للأمن.
3
ترحل وحيد أمه الحسن ولد السالك ليترك ورائه أما في غربة دنيا مكدورة، وذهب النور الذي كان معها، ترك ورائه فؤاد حنون شيعت الغوادي بأخبار بر ابنها الفتى المحبوب، وما يتميز به من حسن التعامل معها..
في غفلة من التاريخ وانفلات لكل مظاهر الأمن خرجت روح المظلوم، لتترك تمتمات حزن، وتأوهات مسكينة لم يعد لها إلا مرادفات كَلِم تنطق بها مآقي المكلومة، مستطرة قصائد من الحزن والبؤس، مشيعة بها وحيدها المقتول.. ولم يكن للأم من الأماني ما لا يرتبط بالمباشرة مع بنيها المقتول..
دقات الزمن سياط حزن تضرب سويداء الأم، لتعيد بذكرياتها المجروحة زمن الهناء مع الراحل، وكل هذه الدنيا أوجاع للمسكينة، تتعاقب عليها أصناف من الأكدار، كلما غرب صنف بدا آخر يشرق!
لله أنت أيها الزمن الغريب!!
تنضاف اليوم أم الحسن لأمهات آخرين قضى أبنائهم بنفس الطريقة، ربما ألقي القبض على الجناة، وقالت العدالة كلمة الحق، لتنسخ وساطات المتجبرين وقرارات المجرمين ما قيل من حق قبلها، ويضرب عرض الحائط بكل تلك المشاعر المسكينة..

4

يتخندق السياسي فيكون عرضة لفعل العصابة، ويعبر الصحفي عن رأيه فيحاول اغتياله، أما المواطن فيكفي لاستباحة روحه أن يقف في وجه أحد اللصوص..
هي عصابة إجرام منها من اقتصر إجرامه على أرواح المواطنين يسلب الكرامة ويغصب المال.. ومن المجرمين كبار متوكفون بانتزاع روح الوطن نفسه!

إن الأرواح إذا رخصت، والجرائم إذا كثرت، فإن قانون الفوضى، وتفكير الانتقام، سيكون الانفلات الأمني أول النتائج المباشرة للواقع هذا، لا سيما وأن رأس الأمر في حقيته رأسُ المافيا هذه..

ليس من وطن، ولا معنى للمواطنة، فالقوة قانون، والضعيف مسلوب، والفقير مهمش، أما الأقوياء المتجبرون، فيقلبون أوقاتهم بين اللعب واللهو، وسرقة الصبابة الباقية من المال العام، والتفكير في قتل أي مستقبل لهذا الوطن الحبيب..

ولم يبق من دواعي الأمل إلا أصواتا مبحوحة لساكنة الأكواخ البائسة مرددة صوت الحرية العذب، متناغمة مع واقع بدأت الأيام تفرزه في زمن ربيع المبشرات، فحتى ينال الظالمون جزائهم، وترد للفقراء مظالمهم فعلى الله المعول في الصغائر والكبائر، وإليه الملجأ.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025