تاريخ الإضافة : 21.02.2013 19:16

كيف ينتظر العالم السلم في منطقة الساحل والصحراء بعد تدمير ليبيا؟ الجزء الثالث

محمد محمود ولد بكار

محمد محمود ولد بكار

إن النجاح الفرنسي( علي نحو سريع من يجري وحده ) وقع في غياب جميع الأهداف النبيلة أو الجوهرية التي تراعي المشاكل العميقة والتاريخية لسكان الشمال ، ولم يحمل أي حلول خارج الدمار ، كما أن أي أحد لم يتصور أنه نجاح بالأساس، وحتي المتفائلون لا يعتبرونه مطلقا، نجاحا على المدى البعيد .بل هو دخول في معركة مع أشباح وحراسة دولة لم تعد أسباب التعايش قائمة بين مواطنيها . فهل سيبقي الرأي العام الفرنسي مقتنعا من جدوائية هذه الحرب وهل سيسمح ببقاء قواته لمدة أطول في حراسة النظام غير الشرعي في مالي .

وهل تملك القوات الإفريقية البقاء لأجل غير مسمي في مالي وخدمة لأي هدف؟

إن الوحل الحقيقي يكمن في كيف سينتهي التدخل الفرنسي؟ وماهي الحالة التي سيترك عليها الدولة المالية؟ وأكثر من ذلك كيف سيحقق التدخل الفرنسي نتائجه في القضاء علي الحركات الإسلامية المتمنعة في جبال إيفوقاس ، وتندم ، آكال هوك ، وتينسكو ، والتي إختفت زعاماتها في دول الجوار؟. كما يبقي السؤال محيرا حول كيف سيتم إستمرار الحرب في ضوء الخلاف الجوهري بين الحكومة المالية والفرنسيين علي طريقة إدارة الحرب ، حيث ترفض الحكومة المالية رفضا قاطعا مشاركة حركة تحرير أزواد والجماعات المنشقة عن الحركات الإسلامية في عمليات حفظ السلام إذ تعتبر أن أياديهم ملطخة بدماء الجنود الماليين ، بينما تجعلهم فرنسا ترسها في متابعة الحركات ، حيث يمثلون مع القوات اتشادية طلائع الهجوم الأولي.


إننا أمام متتالية معقدة من الأحداث والتناقضات تحاول فرنسا القفز عليها من خلال توريط إفريقيا والأمم المتحدة في حرب فشلت الدول العظمي فيها في أكثر من مكان في مسعي للإنسحاب . والحكومة المالية التي لم يترك لها التدخل الفرنسي السريع والكاسح أي هامش للمناورة حاولت معرفة فرص العودة للسلم مع شطرها الشمالي في ثنايا التدخل الفرنسي وعقب تحرير المدن الشمالية من قبضة الإسلاميين حيث بعثت بوفد من المنتخبين والإدارة المحليين من العرب والطوارق تحت رئاسة محمد العمراني سفير عهد موسي اتراوري وإزديبيه ولد سيدي محمد وفضيل ولد موسي عمدة ليري
ونائب جيري نوح آغ آشي إلي الأهالي في الشمال عبر الحدود الموريتانية ولم يحظوا بأي قبول ورجعوا الثلثاء الماضي من باسكنو خائبين يحملون تأكيدات باستحالة العودة تحت سلطة الدولة المالية إنه الثمن الفعلي المباشر للتدخل الفرنسي.

والمتناقض مع تصريحات الرئيس الفرنسي الذي جاء من اجل مساعدة مالي في استعادة جزئها الشمالي .
حرب ضد عنصر واحد

"إن الحرب الدائرة في مالي اليوم حرب تقودها فرنسا وتدعمها قوات دول زنجية في عملية واسعة من التنكيل وقتل وتشريد عنصر معين" لم تستطع فرنسا إقناع الدول العربية بالمشاركة في الحرب التي أعلنتها من طرف واحد والتي لا تملك أهدافا مشروعة وصحيحة لشنها بنفس السرعة و قوة الإنزال وغير مضمونة النتائج ، فقد تجاوزت فرنسا رؤية وتقييم البلدان العربية للوضع المالي ولم تشرك ولم تأخذ بتجربة ولا مخاوف ولا برأي أي منها ، إضافة إلي ذلك فهذه الدول تتحاشي صراع المجموعات الجهادية والدخول في مصيرالتحول الأمني الكبير المحتوم ـ حرب تفجيرات طويلة الأمد ـ بعد رحيل فرنسا المؤكد عن المنطقة.

وهل يمكن الوثوق بوضعية الجيش المالي التعسة وإستقلاله عن السلطة؟! وهل بالإمكان أن تسند إليه أي عملية بعد ذهاب الجيش الفرنسي؟! كما تتقاسم الدول العربية السنية المالكية نفس التحذيرات الذي يطلقها علماؤها من حرمة الدخول في هذه الحرب بالإضافة إلي المعارضة السياسية والشعبية الكبيرة لها .

فالكل متفق على أنها ورطة تريد فرنسا جر الجميع للدخول فيها: المنطقة ،الشعوب الأنظمة ، خاصة الأثر المتوقع علي منطقة الساحل الإفريقي التي شكلت ولسنوات بؤرة للتوتر ، مع تعبئة الجهاديين الرحل الذين يبلغ عددهم 6000 آلاف مقاتل منتشرين في بلدان المغرب الكبير حسب المركز المغاربي للدراسات الأمنية بواسطة مختلف الدعوات التي ارتفعت هنا وهناك ، كما أن تطورات الوضع مؤهلة لبناء إفغانستان في المنطقة وإعادة بناء تنظيم القاعدة مستثمرا التدخل الفرنسي وإختراق الحدود وتنفيذ عمليات عسكرية في بلدانها .خاصة أن البلدان العربية لم تكن مستعدة لهذا
الوضع ولم تضعه في الحسبان .

لقد وجه الأمير الجديد لمنطقة الصحراء الكبري في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يحيى أبوالهمام في هذا السياق تحذيرات إلي موريتانيا بعدم التدخل في مالي قائلا " إن موريتانيا تعرف كيف تتجنب مواجهتنا " كما صرح بذلك قائد الملثمين مختار بلمحتار الذي ربط عملية عين أمن ماس بفتح الجزائر لمجالها الجوي أمام الطائرات الفرنسية لضرب مالي .
وتم رصد مجموعة من الخلايا الإسلامية في المغرب تُجند شبابا مشبعين بالفكر الأصولي للقتال بشمال مالي . وتواجه بلدان المغرب العربي ضغوطا أمريكية رهيبة فقد إلتقت السفيرة الآمريكية مرات علي جناح السرعة بالرئيس عزيز و بالوزير الأول من أجل التصدي بكفاءة أكبر للتهديد المحتمل بعد سقوط مالي!!!! لكن أي قوة لموريتانيا لحراسة 2237 كلمتر حدودها مع مالي كما إلتقت السفيرة الآمريكية مرات علي جناح السرعة بالرئيس عزيز كما إلتقت بالوزير الأول .ثم أن الولايات المتحدة وراء الموقف الجزائري في التدخل الذي حمل مساوئ عديدة وأضاف تحديات أمنية وإجتماعية
خطيرة للدولة الجزائرية فمع أنه يثير حساسية الطوارق الجزائريين فإنه أيضا يغضب الشارع السياسي ويستفز الحركات الإسلامية المعتدلة واسعة الإنتشار في البلد ثم عليها تأمين حدودها مع كلا من ليبيا ومالي التي تزيد علي 2000 كلمتر إنها حرب ذات أبعاد خطيرة لا يمكن المجازفة بدخولها.

الحل:

"التدخل الفرنسي غير كافي" كان ذلك عنوانا لمقال كتبه كوفي عنان في الغارديان قال فيه "إن الحرب لا تكفي، وإن ماتحتاج إليه مالي هو استراتيجية تتجاوز مستوى المساعدات العسكرية التي لايمكن أن تخفي جذور الأزمة الحالية"، وزاد عنان أن التهديدت الأمنية التي ظهرت في المنطقة هي أعراض لمشاكل إقليمية أكثر عمقا، ولن يعالج مجرد التدخل العسكري العوامل الرئيسية التي تقف وراء الإضطرابات التي تعانيها البلاد.
وقالت جوديت سيشل وهي عالمة في مجال الإنثربولوجيا الإجتماعية بمؤسسة أوسولوز في أكسفورد والتي أمضت بعض الوقت في شمال مالي "أن الحصول علي الأسلحة وتحسين الوضع الإجتماعي من الأمور التي تحفز الشباب للإنضمام لمثل هذه المجموعة ."

إن المنطقة التي تقع فيها الحرب تعاني 9 دول منها من أصل 15 دولة من مشاكل هشاشة دولهم خاصة تلك المتاخمة للحدود مع مالي وتواجه تزايد مشاكل الإحتواء وعدم إستقرار المؤسسات ومن الشرعيات البالية وإعطاء الأولوية لتقوية أجهزة الحكم بدل بناء الدول كما تمثل نسبة السكان من الذين تقل أو تساوي أعمارهم 20 سنة نسبة 60%، وتصل
نسبة الفقرفيها إلي 50% .

إن الشعوب التي يصل دخل الفرد فيها إلي 2500 دولار سنويا معرضة للحروب الأهلية في الخمس سنوات الموالية.

لقد كانت أكثرية تلك الدول الإفريقية تحصل علي مساعدات دائمة وسريعة من ليبيا ، خاصة أمام المشاكل الطارئة ، وكان للقادة الأفارقة نفاذ سريع علي القذافي , إن الطريقة التي كانت البلدان الإفريقية تحصل من خلالها علي تسوية وإسكات بعض الأزمات بواسطة ليبيا لم تعد متاحة اليوم ، ولا يوجد بديل ، ولا تملك الدول الغربية آلية الكرم ولا آلية الرحمة تلك بالأساس .

ألا يجوز حينها أن يشكل ذلك جزءا من زيادة الضغط وأحد
عوامل الإضطراب الحاصل في المنطقة الذي تشكل مالي إحدي تجلياته ..


إننا أمام مشكل أعمق من كل التبريرات فالدول الغربية ، لاتريد محاربته محاربة جوهرية ،ولا تعترف بمسؤوليتها في تنميته في العالم بإزدواجية المعايير وفي هذه المنطقة بالذات .

حيث أنها في الأولي تمانع من إعطائه تعريفا واضحا ودقيقا كظاهرة عالمية تجب محاربتها بصفة جماعية وفق شرعية دولية ، إنطلاقا من ذلك التعريف ، عكسا لما تقوم به اليوم من إستخدامه كأداة للجلد هي الوحيدة التي تملك حق التصرف بها.

وفي الثانية أبدت تأرجحا إزاء التعامل مع المنطقة تجلي في 4مواقف أو استراتيجيات مختلفة :
ـ أولا الإهمال ، الأمر الذي منح هذه التنظيمات فرصة للتتشبع با لقوة والمال والأثرة والجاه والنفوذ
.
ـ ثانيا المحاربة من خلال مساعدة دول الجوار بالمعدات والمعلومات الإستخباراتية للقيام بالحرب بالوكالة .
ـ ثالثا التهدئة من خلال محاولة خلق كيان أو إطار سياسي جديد في المنطقة يحمل لواء الحرب علي هذه التنظيمات.
ـ والإستراتيجية الرابعة والأخيرة هي هذه الحرب التي لم تدع أي سبيل للحل السلمي ، فلن يكون باستطاعة فرنسا والدول التي ساعدتها إعادة الإستقرار للمنطقة، ولا إعادة بناء الثقة ولا نعني اللحمة ولا قبول التعايش بل فقط جر الأطراف المدنية المالية ( الجنوب والشمال ) للجلوس مجددا علي طاولة المفاوضات ..
إن الدول الغربية تضع مجهودها دائما في طريق خطإ ولاتريد أبدا الحياد عنه، هذا الطريق المظلم الظالم هو المسؤول عن الوضعية التي صار بها العالم يعج ببؤر الإنفجار وعدم إستقرار وليس الإفتئات القول أن 90% من أدبيات وخلفيات وإيديولوجيات هذه البؤرهي السلوك الغربي الظالم المباشر أوغير المباشر..
إن علي الغرب أن يعرف أن القوة ليست هي السلاح الأنجع لبناء الإستقرار والسلم اللذان يمثلان ثروة عمومية عالمية، وأن التقادم لا يؤثرعلي القناعات المتولدة من الظلم فالقضية الفلسطينية هي الرافد الإيديولوجي الملهم لأغلب التنظيمات الإسلامية والعربية، وقد حمل التحول الجديد من بث الكراهية بإسم حرية التعبيرمن خلال الإستهزاء بمقدسات الأمم والإساءة المستمرة للرسول الأعظم محمد صلي الله علية وسلم بالنسبة للمسلمين ، وإستغلال خيرات الشعوب وإحكام القبضة عليها من خلال عملاء وأتباع مكونين لتلك المهمة، وتدمير دول لأسباب مرتبطة وتتعلق
بمصالح إقتصادية صريحة، كلها أدوات للتأجيج ولها مجموعة من المناضلين قابلة للزيادة والتطرف ..
إن الحل يتأتي وبصفة واقعية من إحداث عملية تحول راديكالية في المسار الغربي وإعادة توظيف المجهود الدولي في الحرب ، في التنمية وإستخدام المظلة الدولية في إحقاق العدالة والسلم لا في دعم الحروب .

فعلي الدول الغربية التي أعلنت مساعدتها لفرنسا أن تلتئم لتساعد مالي ودول الجوار في الوقوف علي أقدمها وفي الإستفادة من خيراتها الطبيعية ومنحها فرصة لبناء إقتصاداتها ومؤسساتها وقوتها الوطنية .

فيجب تحويل هذا التدخل لصالح المنطقة ،لا أن يكون علي حسابها ومع أن أي وسيلة لذلك غير معروفة حاليا لكن مجرد جعل ذلك ضمن الإهتمام فإن الغرب يكون قد خطي خطوة واحدة في الإتجاه الصحيح وهذا جيد ولو لمرة .

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025