تاريخ الإضافة : 20.02.2013 15:36

موريتانيا، صدمات الواقع

محمد بن أحمد - قادش ـ اسبانيا - Mawaz85@yahoo.fr

محمد بن أحمد - قادش ـ اسبانيا - Mawaz85@yahoo.fr

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فلم يستبينوا النصحَ إلاّ ضحى الغد.
دريد بن الصمة

يكاد ينفطر قلب المرء حسرة وهو يطالع ما يكتبه "الآخر"، بقلم الناقد، في الصحف والمواقع عن موريتانيا. فقلة قليلة ممن يتشجعون على زيارة البلاد ـ لضرورة عمل فى الغالب ـ يتمكنون من الكتابة حول مشاهداتهم وملاحظاتهم، بعد أن يتجاوزوا تلك الصدمة النفسية، التى يمكن تبريرها بكل شيء، أيّ شيء، خلا الحداثة، فتلك لن تصدمهم في هذا المنكب البرزخي يقينا.

لحسن الحظ أو لسوئه، لا نتأثر إلاّ بما يكتبه الآخر العربى، لسرعة إطلاعنا عليه وسرعة انتشاره، في حين أن هناك زوار غربيون أيضا، صحفيون ومدوّنون كتبوا عن موريتانيا، بل أجرى البعض منهم مقابلات صحفية وإذاعية كان موضوعها بالأساس، زيارته لها، لعلّ من طريف ما ذكر أحدهم أن الماعز زاحمته فى سيارة الأجرة، أنه وصل إلى محطة النقل قبل الوقت الذى قيل له إن السيارة ستنطلق فيه إلى وجهتها، ليكتشف أن الرحلة ستبدأ بعد ذلك بأربع ساعات بالتمام و الكمال. وغيره كثير، لا داعي للتعرض له، فليس هدفى أن أزيد الطين بلّة، بقدرما هوّ أملٌ فى أن نصلح من واقعنا، أو نتصالح معه، وذلك أضعف الإيمان...!

ليس سوى قلم!

صدمة من نوع آخر يتعرض لها ـ لا إراديا ربما ـ البعض منّا، و هو يقرأ حقيقة بلده المجردة بأم عينيه، ثم لا يتذكر وهو يمتصُّ صدمته تلك بمرارة، أنه عاش، ويعيش، معظم عيوبنا المهداة هذه، حقيقة لا خيالا، إنما يأخذه الكبر والعزة العمياء، بعيدا عن الواقع، وهو ينهب بخياله المجنح المسافات الضوئية بين الحقيقة والمجاز. إنّ الأمر شبيها جدا بالصعقة الكهربائية التى لا بدّ لمن يتعرض لها ـ إلا القليل ـ من إصدار صرخة ألم غير مقصودة، ومتجاوزة بطبيعة الحال.

أجل، إنّ أضواء النقد شديدة التركيز، قد تسبب إزعاجا، لكنّ نفعها أكبر من ضرها، لو أنصف الناس، وتقبلوا الأمر بصدر رحب، أو بروح رياضية على الأقل. إنها ليست سوى أقلام يعبر بها متأبطوها عن آرائهم و خواطرهم، فلماذا كل هذه الحساسية من النقد؟ بل أكثر من ذلك، فإن كتّاب موريتانيون كثر، مارسوا الأمر نفسه، فلماذا لا تسلم الجرة عندما يتعلق الأمر بمن يكتب من خارج السرب؟!

ليس المطلوب منّا أن ننثر كنانة التاريخ، ونحن نتخندق في مواقع الدفاع، فليس ما نتعرض له هنا هجوما منظما، بل ليس هجوما فى الأساس، من أيّ نوع كان. إنه بتعبير المبدع أحمد مطر، ليس سوى قلم. ولكن الحقيقة تؤلم أحيانا.

اذهبوا إلى اليوتيوب، وغوغل ثم اكتبوا اسم موريتانيا بالعربي واللاتيني، ابحثوا، اقرؤوا، شاهدوا واستمتعوا...

كي لا تتحول الصدمة إلى صدام

المشكلة هنا سببها أنّ البعض يذهب خيالهم بعيدا، أحيانا، وهم يمزجون بطريقة فجة وغير موفقة بين مفهوم الدولة المعاصرة ومصطلح القبيلة فى عرف العرب القدماء. هذا فى حد ذاته، برأيي، يقوي من ألم الشعور بالصدمة عندهم. فيتخذون مباشرة من هجاء الخصوم متراسا، اعتقادا منهم أنه سيكون قوة ردع تكفيهم شرّ الأعداء.

هناك إذا طرق أفضل وأسرع لامتصاص الصدمات، ليس من أقلها أهمية تقبل الأمر الواقع الذى لا مفر منه إلاّ إليه، مؤقتا على الأقل. إن من شأن الإنشغال بعيوبنا، وهى وفيرة، أن يشغلنا عن سجالات سفسطائية لا طائل من ورائها. بكل تأكيد لدينا الكثير والكثير لنفخر ونتفاخر به، لكن أليس من الأولى أن نستغل الوقت الذى يتطلبه ذلك، فى تغيير بعض الأمور السيئة، والإعلاء من شأن الأمور الآخرى الجيدة؟. فى الثقافة الحسانية مثل أصيل يقول ـ إن لم تخني الترجمةـ إعتن بمتاعك، ولا تتهم جارك بالسرقة. وفى هذا المثل وحده ما يغنى عن اختلاق الأعذار وفبركتها.

إنّ العدوّ أيها السادة يتغلغل فى الداخل، وليس فى الخارج، إنه يفعل أفاعيله، وهو مطمئن البال بين ظهرانينا، لا، إنه ليس عدوا واحدا إنها مجموعة من الأعداء الشرسين تتكالب علينا، يوحّدهم العداء لنا، ولبلدنا. إن من أعدائنا الحقيقيين، الجهل وهو كبيرهم الذى علمهم السحر، ومن أعدائنا الألداء، غياب الوعى، ومنها الفساد، وعدم وجود خيط ناظم بين الدولة و حجرها الأساس المواطن، ومنها ومنها.. هؤلاء هم أعدائنا الحقيقيون، فلماذا لا نوجه سهامنا المميتة نحوهم، ونسقيهم السم الزعاف؟!

فى الختام

ليست هذه الكلمات، إلا خواطر لمواطن بسيط، كان بإمكانه أن ينأى بنفسه عن الخوض فى هذا المعترك، ويخرج لا عليه ولا له، ولكنّ الضمير وهوّ يلح بما يعتقده عين الصواب، لا يترك للتردد مجالا...

هي إذن مجرد وجهة نظر، أراها صوابا يحتمل الخطأ، إنها دعوة إلى أن يُقبل كل منا على إصلاح حال هذا الوطن، كل بما يناسبه، ومن المكان الذى يناسبه. لنوفر جهودنا من أجل هذه الغاية النبيله، فهي تستحق ذلك وأكثر.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025