محمد محمود ولد بكار

محمد محمود ولد بكار

مشاكل في العمق

أقدمت فرنسا علي اشعال نار حرب ـ لن يكون باستطاعتها إطفاؤها ،ودون تنسيق مع دول المحيط التي سيكون لزاما عليها فيما بعد تحمل تبعات هذه الحرب التي بدأت بنشوة الضربات الجوية ، لكنها ستؤول إلي حرب ضروس تشعل النار في منطقة مترامية :مجالا صحراويا واسعا تغيب فيه سلطة الدولة ،انتعش فيه إقتصاد الجماعات الإسلامية الذي يعتمد علي التهريب ،وتزدهر فيها تجارة الأسلحة ، التي تدفقت من المخازن الليبية ، والإمدادات الإمريكية والقطرية أثناء غزو ليبيا ، مع سيطرة مليشيات إسلامية علي مواقع ومدن ليبية مهمة عقب الفوضي التي خلفها ذلك الغزو .

المنطقة التي تدور فيها الحرب عبارة عن حزام من الأقليات الإنفصالية علي أطراف5 دول : مالي ،بوركينا ،الجزائر ، ليبيا، النيجر.
الطموح للإنفصال والشعور بالظلم تاريخيان وعميقان لدي هذه المجموعة الكبيرة التي لا يوجد إحصاء دقيق بتعدادها الحقيقي ،خاصة تلك التي تعيش منها في مالي والنيجر .
تتقاسم هذه الأقليات نفس مآسي التهميش والغياب التام عن المشاركة السياسية ،و في النمو الإقتصادي الذي مؤداه بالفعل فقر الدول ،وانعدام أي ميزانية للتنمية لكن أيضا إنعدام لمساواة أمام الحظوظ أو الفرص التي تتيح هذه الدول لشعبوها ضمن توجه له جذور .
ففي مالي حيث تدور رحي الحرب تنتشر مجموعة العرب والطوارق ـ التي تعيش علي أنشطة ومصادر لا دخل للدولة بها متأتية من أنشطة وعمل مع الدول المجاورة ( ليبيا الجزائر،موريتانيا) ـ تنتشر علي قرابة ثلثي مساحة الدولة في ليرا ،كيدال ، تيمبكتو، ميناكا ، تساليت ، كوندام، لرنم ،وتعيش مع الزنوج في مناطق مشتركة مثل كاو، سيفارا ،موبتي ،جاباري، دقفري ،آلمبارا .تملك هذه المجموعة خصوصية حضارية وأهدافا في التميز ، وعلي تلك الخلفية حاربت الإستعمار تحت زعامة الأمير التارغي (فيهرون) بما عرف بحرب( آضر امبوكا1916) كما رفضوا التمدرس لأنه يكرس التبعية

للمستعمر ، وامتنعوا من الإنخراط في الجيش الإستعماري لأنهم لا يريدون القتال في صف الفرنسيين أيضا ، شعب له طموح في الإستقلال مستمد من تاريخ ،ويبحث عن ذاته ولا يعتقد في أي مستقبل له في هذه الظروف التي لا تعرف التحسن أبدا في العيش ، في دولة مالي . لقد استيقظ الرئيس الفرنسي فجأة وطفق يخصف بالموت مجانا استجابة لنداء الإغاثة الذي أطلقه رئيس غير شرعي ولحماية 6000 آلاف مواطن فرنسي علي الأراضي المالية . ومع أننا لسنا متيقنين من دافع النبل أو الشهامة في ذلك الموقف فإن ماضي مالي الحافل بالقلاقل يحتم علينا الإعتراف بأن الموقف الفرنسي لايعدو كونه نفاقا أو علي الأقل الشق الأول منه .

فبين 1963 و1965 شهد الشمال المالي انتفاضة عارمة عقب محاولة الحكومة المالية تنصيب شيخ تارغي بعد وفاة أمير(امينوكال) قبيلة ايفوقاس ، سبب الثورة الفعلي عدم الإعتراف بسلطة الجنوب , ردة فعل الحكومة المركزية جاءت سريعة و دموية أيضا من خلال تعيين (موسكونتوه )قائدعسكري دموي من (البامبرا ،الأغلبية الزنجية ) شارك في الحرب ضد الثورة الجزائرية ، فقام بتدمير الآبار وإبادة المواشي وقتل الرجال أمام أعين أبنائهم وتم إعلان الشمال منطقة عسكرية ، ومقابل وساطة مالية بين المغرب والجزائر، سلمت المغرب محمد عالي آك الطاهر زعيم قبيلة كلنتصر الذي تتهمه الحكومة المالية بأنه العقل المدبر للثورة ،.حـُكم علي الرجل بالإعدام وقد نجي بضغط مشترك من الملك السعودي فيصل والقائد العربي جمال عبد الناصرغداة إعدامه .وفي 1972 ضربت موجة جفاف عتيدة المنطقة وكانت المساعدات الكندية والدولية لا تتجاوز في الغالب العاصمة باماكوـ ثمة فساد في الإدارة ـ لكن الأهالي يعلمون موقف الحكومة منهم ، و يعتبرون ذلك عملا عدائيا ضمن التوجه العام للدولة المالية حيالهم ، المتمثل في التهميش وغياب الخدمات الصحية والمرافق العمومية ووضآلة التمثيل في المراكز الإدارية والبرلمانية.

وفي 1990 طفت مشاعر الشمال علي السطح مجددا بعودة يتامي أحداث الستينيات بعدما تدربوا في ليبيا وشاركو في الحرب في فلسطين ولبنان وفي نيكاراغوا ، فقد منحهم ذلك طموحا أكبرفي تحقيق طموحهم بالإستقلال والإنتصار لذويهم من جهة أخري . فقد أسس( أياد آغ غالي )الجبهة الشعبية لتحرير أزواد مع مجموعة عريضة من الزعماء عرب وطوارق منهم أحمد ولد سيدي محمد ، وغيسى كوف، ابراهيم آبهانكا ، وعبد الرحمن غل .العمليات العسكرية ضد الجيش والحكومة المالية امتدت بعد أحداث (تنشت براظ) وباستثناء الدول العربية لم تبذل الدول الغربية ، خاصة فرنسا مجهودا ولو ضئيلا في دعم السلام ولم تستمتع لصراخ الحكومات المالية حينها . الإتفاق تضمن إلتزامات سياسية وأخري إقاصادية ، كان الشق الإقتصادي منه يتطلب مساعدة حقيقية من الدول خاصة تلك التي تدعي الصداقة وتتحمل مسؤوليات أخلاقية اتجاه مالي مثل فرنسا . لم يلبث الإتفاق أن انهار بفعل عجز الدولة المالية عن الوفاء بأهم الإلتزامات وهو تنمية منطقة الشمال وتوسيع النفاذ علي الفرص الإقتصادية وعلي الخدمات وتحسين أوضاع وظروف الشمال .

كان ذلك سببا موضوعيا لعودة البلد مجددا إلي عدم الإستقرار الذي ظلت دول الجوار ليبيا في المقام الأول ثم الجزائر تهدءانه ببذل بعض المزايا للمقاتلين المستائين وبعض الزعامات مثل غيسي لامبو وأياد وأبهانكا وغيرهم ، حتي 2006 حين أعلن ابراهيم أبهانكا (الذي انسلخ من الجيش المالي إذ كان قد انضم إليه بواسطة الإتفاق برتبة رائد)أعلن بصفة نهائية تنصله من الإتفاق الذي لايوفر أي مزايا ولا أي حقوق لشعبه ـ وقد بقيت مجموعة حصلت علي مزايا مثل العقيد كمبو رجل الجزائر رئيس قاعدة كونا الذي فر إلي النيجر بعد مهاجمتها من طرف الإسلاميين ، والعقيد ميدو المتواجد في موريتانيا بعد الإنقلاب ـ، فتح ابهانكا مجددا العودة إلي السلاح ضد الحكومة المالية ، وبعد وفاة أبهانكا استمر عدم الإستقرار بسبب تفاقم الوضع الإجتماعي والإقتصادي للشمال وقد بلغ التردي أوجه خاصة مع انعدام الوثوق بالمستقبل بعد فقدان الظهير الليبي ، فقدت عادت المجموعات التارقية القادمة من ليبيا معلنة طموحها في الإستقلال التام وبشكل نهائي مشيحة النقاب عن تشكلتها الجديدة تحت اسم الحركة الشعبية p) اتراوري الأولي ،كما قام (أيا د آغ غالي ) بالهجوم في عملية (آكال هوك )علي مدينتي كيدال وكاوا وقتل 107 من الجنود الماليين وصورهم ،إن
المجموعات التي تعلن فرنسا محاربتها كجماعات إرهابية تنحدر 80%منها من الشمال
المالي مشكلة تيارات تطالب بتحسين وضع شعبها و بصفة دائمة عبر أجنحة مدنية ، ومنحت
فرص عديدة للسلم قبل أن تتحول إلي جماهات متطرفة بما في ذلك أياد وكل أعضاء حركته
أنصار الدين . لم يتفق أن فكرت فرنسا في مالي ومشاكلها العميقة ولم تفكر في أن تضع
قوتها الناعمة بدل الفتاكة وصداقتها في المكان الصحيح قبل أن تعصف الأحداث
الدراماتيكية بمالي.

هل صحيح ما تحمله تصريحات الفرنسيين في طياتها؟

ذكر الرئيس الفرنسي في أول إعلان لتدخل فرنسا "أنه يستجيب لطلب الرئيس المالي ولحماية المواطنين الفرنسيين " وقال مساء السبت بعد ذلك أمام الصحافة الفرنسية "أنه تم وقف تقدم خصومنا وأن لا هدف لفرنسا سوي مكافحة الإرهاب " أثار المحللون أمام هذا التناقض تساؤلات عديدة حول الهدف الحقيقي للتدخل الفرنسي هل هو وقف تقدم الإسلاميين المتطرفين أم المضي في مساعدة الحكومة المالية ميدانيا في استعادة شطرها الشمالي ؟أم هل
هوإغتنام فرصة إحكام السيطرة علي مالي ـ ضمن تقاطع المصالح جيو سياسية ـ والتي رغم
فقرها ـ أي مالي ـ غارقة في الخيرات المعدنية الإستراتيجية (أبرز بلد إفريقي في استخراج الذهب ،وغنية باليورانيوم حيث تمثل مع النيجر( أضخم إحتياطي ومناجم اليورانيوم التي تزود فرنسا بثلث حاجتها من الوقود النووي ) وبها مخزون من النفط وحجر المالكيت النفيس الإضطرابات السياسية تعصف بالمصالح الفرنسية في حوض تاودني الممتد علي مساحة 5،1 مليون كلم مربع تتوزع علي 4 دول مالي موريتانيا والنيجر والجزائر ، ففرنسا هي الفاعل الرئيسي من خلال شركتها الوطنية توتال التي تملك مقاطع "تي آ29 " و"سي 9" في
موريتانيا وتملك اتفاق بالتنقيب في صحراء مالي فقد حصل الموقع الإخباري الفرنسي
"بورسوراما" أنه تم إكتشاف النفط في حوض تاودني في مالي ، كما أكدت الصحافة الجزائرية فبراير 2011إتفاقات بين توتال وسوناتراك الجزائرية ، (ثم لدي مالي تعاون مع روسيا وبها شركة غاز ابروم الروسية التي تسعي للتوسع ) كما أمسي نفوذ الجزائر يتسع باستمرا ر وباتجاه النيجر . ثم أن فرنسا ثالث دولة في التصنيع الحربي بعد الولايات المتحدة
وروسيا هذه الصناعة في نفس الوقت تجارة أيضا لابد من تسويقها ولا بد من تأجيرها
غهذه العدة صنعة للإستغلال فساعة الميراج من الطيران 2200 يورو،و ساعة رافل 40000 يورو ،طائرة رافل لم يتم بيع أي واحدة منها حتي اليوم فهي تحتاج لمزيد من الترويج لإقناع البرازيل والإمارات العربية وغيرهم بشرائها . المحللين الأكثرتتبعا
للأحداث يرون أن فرنسا بدخولها منفردة تسعي لإعادة المجد لقواتها خاصة بعد الفشل
في ليبيا فدور القوات الفرنسية في الأسبوع الأول من التدخل في ليبيا كان هامشيا
حيث تم أطلاق 122 صاروخ 2منها لإبريطانيا و120آمريكيا كما سجلت مشاركتها في
الطلعات الجوية خلال ذلك الأسبوع بمستوي منخفض ولذلك لم يكن باستطاعتها أن ترفع
سقف تكاليف مشاركتها في الحرب علي ليبيا....

2

المحللين الأكثرتتبعا للأحداث يرون أن فرنسا بدخولها منفردة تسعي لإعادة المجد لقواتها خاصة بعد الفشل في ليبيا فدور القوات الفرنسية في الأسبوع الأول من التدخل في ليبيا كان هامشيا حيث تم أطلاق 122 صاروخ 2منها لإبريطانيا و120آمريكيا كما سجلت مشاركتها في الطلعات الجوية خلال ذلك الأسبوع بمستوي منخفض ولذلك لم يكن باستطاعتها أن ترفع سقف تكاليف مشاركتها في الحرب علي ليبيا بما يفوق 300 مليون يورو، ودورها عند النهاية كان فاضحا وغير إنساني حيث ضربت موكب القذافي الذي كانت تتابعه . تصريح برلوسكوني لوكالة (آكي) الإيطالية الجمعة 11يناير 2013زاد من صعوبة فهم التدخل الفرنسي أوتصديق تصريحات المسؤولين الفرنسيين حيث قال "أن ماحدث في ليبيا لم يكن ثورة بل تدخلا أرادته فرنسا ، وأضاف أن ماوقع في ليبيا لم يكن ربيعا عربيا أو ثورة للشعب ، فالقذافي كان محبوبا من قبل مواطنيه ، الشعب الليبي يضيف ، كان يفتقر إلي الحرية لكنه يحصل علي الخبز والسكن مجانا " .
إننا وعلي نحو فاضح نلاحظ تواطؤ إعلامي يصور مالي بأنها رجعت للقرون الوسطي من
خلال تصوير بعض المظاهر الإستثنائية من تطبيق غير سليم للشريعة ، دون أن يطرح
التساؤلات الوجيهة عن أزمة عميقة ، كما لم يتم الحديث عن استثمارات "آريفا " الفرنسية التي بلغت 10 مليارات يورو في مشروع إيمرورن النيجري الذي تأخر كثيرا وحيث تحتفظ
الجماعات المالية المسلحة ب 7 مهندسين تابعين له الأمر الذي يشكل خطرا علي المشروع
خاصة ما يتعلق عزوف العمال الفرنسيين عن العمل فيه .

مأزق التدخل الفرنسي: انعدام الشرعية وصعوبة المخرج.

لم يكن التدخل الفرنسي في مالي شرعيا بأي وجه من الأوجه ، ولا محظوظا علي كل حال . وبالرغم من ذلك كانت فرنسا قد استصدرت قرارا من مجلس الأمن تحت رقم 2085 بتاريخ عشرين ديسمبر 2012 استنادا إلي المادة 51من ميثاق الأمم المتحدة يمنح فرصة التدخل العسكري بعد 6 أشهر أي منتصف السنة الجارية ولم تحترمه بتاتا ،وكانت الدول الإفريقية من جهتها ستعقد قمة بشأن مالي 25 يناير 2013في آديس آبابا ، كما جاء في بيان علماء المسلمين "أن فرنسا استعجلت وأن رابطة علماء المسلمين كانت تبذل جهودا كبيرة من خلال تواصلها مع الأطراف من أجل التوصل إلي حل سلمي وأن فرنسا تعجلت بالتدخل العسكري الذي لا يعرف منتهاه ولا آثاره من القتل والتدمير والتشريد والمآسي الإنسانية ومزيد من الفقر والبطالة والمجاعة التي تعاني منها مالي أساسا وأضاف البيان أن ما يحدث إمتداد للحملات الإستعمارية التي طالت كثيرا من البلدان الإسلامية ".الرئيس التونسي أنتقد الحرب وقال أنها ستنعكس سلبا علي بلده الذي ظل ممرا لأسلحة هذه الحركات . وقد أعلن لكرمنيل أن تدخلا في إفريقيا ينبغي أن يتم بإشراف الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي . الجزائر نفسها انتقدت سرعة التدخل الفرنسي قبل أن يلوي ذراعها .


المأزق منذ 6 أشهر وفرنسا تحاول التوفيق بين الهروب

من أفغانستان ودق طبول الحرب في مالي متناسية فيما يبدوا أنها في مواجهة نفس الجماعة ونفس التضاريس تقريبا وأنها تواجه حركات تنتشر في منطقة تساوي مساحة فرنسا وبلجيكا . ومع عدم إمكانية تخمين مايمكن حدوثه فقد مضت 9 أيام علي محاولة إخراج الإسلاميين من كنا و6 أيام علي جيابالي مع شح في المعلومات ولم توجد أخبار حقيقية عن تكاليف وحجم الخسائر ؟ أم أن الأمور لاتمشي وفق التقديرات الفرنسية.

لقد قال أحد المحللين أن جميع الحروب التي خاضتها الدول الغربية ضد "الإرهاب" في بلدان العالم الثالث فشلت ولا يوجد سبب كي تنجح هذه الحرب . لم يكن الأسبوع الأول حافل بالإنتصارات التي هي قطع سلافة الإسلاميين عكس ما صوره لنا الساسة الفرنسيين المزهوين بقدرات جيش "فرنسا "التي يلفظها هولاند بملئ شدقيه وكأنه يذكرنا بفرنسا المخوفة التي عرفنها فترة الإستعمار ، يبدو أن مجري الأحداث حتم علي الفرنسيين مرة أخري تمديد تاريخ بقاء الجيش الفرنسي من أربعة أشهر إلي أجل غير مسمي فقد قال فرانسوا هولاند أن الجيش الفرنسي باق حتي يقضي علي الإرهاب ، صراخ الساسة الفرنسيين علي واجهة القنوات الفضائية بالتصريحات التي تشي بالنشوة و بالتفرد بمحاربة الإرهاب من جهة ومحاولة حشد التأييد السياسي والدعم المالي من جهة ثانية لم يكن ليخفي نبرة الخوف والتستر وراء القوات الإفريقية ضعيفة التدريب والمرتبكة ،ثم أنه لا يخفي من صعوبة الموقف :ففرنسا حاليا تقاتل علي جبهتين : جبهة القتال إلي صفوف القوات الإفريقية الأقل كفاءة والأقل خبرة الأمر الذي يتطلب منها مجهود إضافي في تأهيل وتسليح وتفعيل هذه القوات وهي علي كل حال مهمة صعبة . وجبهة الحصول علي الأموال اللازمة لتمويل الحرب ولم يتعهد إلي حد الآن أي بلد بالمساعدات إلا اليابان ومساعدات لوجستية من أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الغربية (يبدوا أن العرب أكثر حماسا للمشاركة وتمويل الحروب التي تستهدف البلدان العربية من تلك التي لاتدور في محيط غيرعربي ) . لقد لاحظنا فرنسا وهي تدخل المدن الواحدة تلو الأخري بدون مقاومة ولم نجد أي تفسير لإنسحاب الإسلاميين ؟فهل هو أنهم لا يريدون حرب مدن وما ينجر عن ذلك من دمار للمدن وقتل للمدنيين ؟ لم يثن أحد علي ذلك السلوك ، كما لم نشاهد الإسلاميين وقد تم دحرهم علي سبيل قطع شأفتهم . الإعلام الفرنسي المجند والموجود علي الأرض لم يدعم الظفر الفرنسي بصور أو تقارير أو شواهد تفيد بنجاح المهمة المتعلق بإختفاء الشبح .إننا نلاحظ بالعكس أن أية مواجهة حقيقية لم تقع وأن التنظيمات الإسلامية إنسحبت بكامل خطورتها عدتها وعتادها وأشخاصها ، وأنها تفضل الحرب طويلة الأمد وقد عدت لها العدة وإختفت لتظهر في وقت ما وفي مكان ما .

فرنسا تغوص في الوحل

تدور الحرب اليوم في منطقة محدودة وحول بعض المدن في الشمال المالي لكن الإطار الحقيقي للحرب هو ذلك الذي يشمل منطقة تزيد علي مساحة أوروبا بتضاريس وعرة ، كما أن العدو ليس فقط محددا في 3 تنظيمات في مالي متحالفة مع بوكو حرام النيجيرية ،فعملية عين آمن أماس الجزائرية تضيف معطيات مهمة: سرعة الرد و تعدد الجنسيات وتعدد المراكز، فالعملية تمت خلال الأسبوع الأول من بدء التدخل الفرنسي وتمت إدارتها من مالي من خلال مختار بلعور والتخطيط لها في ليبيا وتنفيذها في الجزائر من طرف مصريين وجزائريين وموريتانيين وفرنسيين الأمر الذي يحيلنا لمنطقة نفوذ شاسعة ومعطيات جديدة هذه المعطيات قابلة للتشابك مع عوامل إيجابية أخري بالنسبة للتنظيمات الإسلامية ، فمع انسحاب القوات الغربية من أفغانستان فإنه من المؤكد أن المحجة الأولي أو منطقة الجهاد الأكبر ستكون بالطبع مالي وعلي فرنسا أن تتوقع مواجهة مزيد من الخبرات والتصميم. إننا مضطرون للقول حينها إننا أمام حرب طويلة ستجر الخراب لفرنسا فكيف بمالي. يبدو أن البلدان الغربية لم تأخذ كافة العبر من حروبها علي "الإرهاب " فتدخلها يخلف باستمرار قوة ونشاط لتلك التنظيمات، ثم أنه يخلف أوضاع فوضي في الدول التي تتدخل فيها ، إذ لايمكن بأي وجه من

الأوجه تسميتها بعد ذلك بدول.

إن مالي الضعيفة لن تكون دولة بعد اليوم حسب أكثر الإفتراضات واقعية فالتنظيمات المسلحة يزيد عددها علي 4200 فرد حسب بعض التقارير، حظي 1300 عنصر منها علي تدريب جيد، كما تملك 22000 قطعة حربية إضافة إلي 200 مليون يورو كمخزون من العملة الصعبة متأتية من نشاطاتها المتعددة. ثم إن هذه المجموعة تتسابق لإحراز الشهادة ، وأيضا لايمكن القول أبدا إنها تقاتل خارج استراتيجية عسكرية.

إن فرنسا التي لم تشأ التعاطي مع حقيقة الأزمة ستضطر للبقاء أطول ، فالجنود الماليون ليست لهم أي قدرة لمواجهة هذه التنظيمات كما أن الدول الغربية أعربت عن عدم إستعدادها لتسليح الجيش المالي الذي يهرب أمام كل مواجهة مع هذه التنظيمات تاركا وراءه أطنانا من الأسلحة تصبح في ما بعد من نصيب هذه التنظيمات ، فالجيش المالي المنقسم حول المآثر لا يحظي بأي ثقة داخلية ولا خارجية. كما أن القوات الإفريقية الضعيفة المتخاذلة نتيجة لغياب
الأهداف المشروعة التي تدعمها الحوافز لن تكون قادرة علي البقاء طويلا والقيام بالمهمة بدل الفرنسيين.

إن مشكلة فرنسا حاليا هي أنها تمثل قوة إحتلال فهي التي تملك القوة المسيطرة علي الأرض وهي التي تخطط وتفرض استراتجيتها الحربية وهي التي وفرت الغطاء للجيش المالي الذي يقوم بعمليات إبادة وتدمير ممتلكات وسلب ونهب في حق العنصر العربي التارغي ،فقد قتل 20 شخصا في دقفري ، و6 في تيمبكتو بسبب لون البشرة فقط ، ليس هنا مجال لأي مجادلة أمام القول بأن فرنسا تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية لتلك العمليات . ثم إن هذا السلوك شكل إضافة غائرة في جرح شعب الشمال علي نحو أحداث 1963 بدلا من أن يساهم في ردم هوة العداء والحنق . وإن النجاح الفرنسي (علي نحو سريع كحال من يجري وحده) وقع في غياب جميع الأهداف النبيلة أو الجوهرية التي تراعي المشاكل العميقة والتاريخية لسكان الشمال ، ولم يحمل أي حلول خارج الدمار، كما أن أي أحد لم يتصور أنه نجاح بالأساس، وحتي المتفائلون لا يعتبرونه مطلقا، نجاحا مديدا .بل هو دخول في معركة مع أشباح، وحراسة دولة لم تعد أسباب التعايش قائمة بين مواطنيها . فهل سيبقي الرأي العام الفرنسي مقتنعا من جدوائية هذه الحرب وهل سيسمح ببقاء قواته لمدة أطول في حراسة النظام غير الشرعي في مالي ....

الرياضة

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025