تاريخ الإضافة : 07.02.2013 17:40

تميّز أم تمييز؟!

الأستاذ / محمد أبو سالم

الأستاذ / محمد أبو سالم

إن ما تعرفه منظومتنا التربوية من فساد قد استنفد أغراضه إعلاميا وتناقلته ركبان الإعلام مسموعة ومقروءة، وتضررت من سوء ذكره صفحات الكترونية كثيرة، ورغم كل هذا فإن هذا الواقع الأليم لم يزدد إلا سوءا يوما بعد يوم.

إننا ومنذ ما يربو على عقدين من الزمن نتفرج على هذا التعليم وهو يهوي في دركات الانحطاط مفترسا أفلاذ أكبادنا وبناة مستقبلنا فإلى متى تظل حكوماتنا على تعاقب الأزمان والآماد صماء كالحجارة لا تلقي أي سمع ولا تبصر أي سبيل لأي إصلاح جاد لهذا القطاع الحيوي الذي يعتبر قلب جسد هذه الدولة بصلاحه يصلح كل شيء وبفساده يفسد كل شيء؟.

إنني وأنا أكتب هذه السطور لعلى دراية من اتساع المساحة التي احتلها في اهتمام الكثيرين من الغيورين من أبناء هذا الوطن الغالي فاعتصروا من بنات أفكارهم ما كان حريا ببعضه أن يحرك الضمائر الحية لو كانت هناك ضمائر حية ولكن:

فقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

إن مصيبة هذا القطاع أن معاول الفساد تهاوت عليه من كل حدب وصوب فتركته أشلاء لا يكاد المرء يتصور إمكانية رجوع الحياة إليه وحتى كأن الشاعر محمد الطلبة لم يسؤه واقع الدين بقدر ما ساءه واقع تعليمنا المرير حين قال:

تظاهر أقوام عليه فطمسوا *** هداه فهم عاد عليه وخاذل

وليت الذين فرطوا في التعليم وأردوه اقتصروا على ذلك، بل إن مما يثير الدهشة والاستغراب أننا بدل أن نرى لهم سعيا جادا وإرادة حقيقية للإصلاح أو على الأقل ما من شأنه يوقف نزيف الفساد الذي ينخر جسم هذا المسكين، نجد القائمين على هذه المنظومة التربوية يسلكون مسالك مثيرة للاستغراب يقدمونها كما لو كانت اكتشافا خارقا لا يستطيع الوصول إليه إلا من تسلح بعبقرياتهم الفذة!

وبما أنني مشفق على القارئ من أن يجمح به الخيال فيسلك به متاهات لا نهاية لها فإني أسعفه بهذا الاكتشاف، إنه مدارس الامتياز!

ورغم أن هذا العنوان رنان وجذاب إلا أنه عند إمعان النظر واسكتشاف المخبر لا يعدو كونه مغالطة من العيار الكبير وخدعة لا تنطلي على ذي بصيرة، تجذّر وتكرس مستوى من التمييز بين أبناء هذا الوطن الواحد وليس فيه من ميزات العبقرية سوى أن أحدا لم يسبق هؤلاء إليه!

إنه من المعلوم أن التعليم حق يكفله الدستور لكل واحد وواحدة من أبناء هذا الوطن دون تمييز، فمتى كان يحق للقائمين على هذا المرفق أن ينتقوا مجموعة قليلة ليس لها اعتبار في المجموع وليس لهم دور في إعدادها فيعزلوها ويوفروا لها ظروفا خاصة دون باقي أبناء الوطن الآخرين؟ أليسوا كلهم مواطنين؟ أليس من حق كل واحد منهم شرعا ومروءة وقانونا أن يوضع في ظروف جيدة حقا يمكن من خلالها الوصول إلى مراتب النجاح والصلاح؟ أليس من الظلم الفاضح أن نترك غالبية أبناء الوطن من دون رعاية كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية؟ ما هذا التمييز؟ من أين لكم هذا التصرف؟

ثم إن دعوى الامتياز التي يتباهون بها لا تعدو كونها عملية انتقائية مفضوحة حيث يعمد القائمون عليها بالتعاون مع بعض المديرين، أو بافتعال مسابقة لاقتناص نوادر ممن وهبهم الله عبقريات ذاتية ورعاية متميزة من ذويهم فيسحبوهم من مؤسساتهم الأصلية ثم يجمّعوهم في مدارس التمييز كالذي يحصد زرع غيره وبعد ذلك يعمدون إلى خيرة الأساتذة فيحولونهم إليها تاركين وراءهم ضحايا هذه المهزلة بلا أسوة ولا معين!

إن الرهان كان ينبغي أن تنصب الجهود فيه على الوصول بأبناء هذا الوطن –كل أبنائه- إلى الهدف المنشود لا أن تنحط همم هؤلاء المسؤولين إلى درجة مؤسفة من التفريط في مصالح أبناء أبرياء والتفريط كذلك في المسؤولية القانونية التي وضعتها الدولة على عواتقهم.

إن من حق هذه الأجيال أن ترفع دعاوى ضد كل من فرط في مصالحها وعرضها لخسارة أزهار أعمارها وتركها فريسة الجهل والتخلف والبطالة... وحرم الوطن من كوامن قدراته.

إنه من المؤسف المحزن أن تختزل مهمة دولة في القيام على بضع مؤسسات من مئات المؤسسات، ومن المؤسف كذلك أن تختزل جدوائية ميزانية تبلغ عشرات المليارات كل سنة في إعداد عشرات التلاميذ ممن أعدوا أنفسهم سلفا وترك الآلاف ممن لهم كل الحق في هذه الميزانية، تركهم يواجهون المجهول دون مد يد العون الفعال لهم.

لا تعدو هذه السطور أن تكون نفثة مصدور يرجو من خلالها كسر جدار اليأس الذي بات يخيم على صدورنا في هذا الجو الرهيب من غيوم الفساد المتراكمة في سماء هذا الوطن الغالي والذي يستحق علينا ما لا نستطيع الوفاء به.

وللأوطان في دم كل حر *** يد سلفت ودين مستحق

ولكن أين ذلك الحر؟؟؟!!!

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025