تاريخ الإضافة : 03.01.2013 23:15

هل نواكشوط حقا في خطر؟

عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

يكثر الحديث بين الفينة الأخرى في بلادنا عن مخاطر محتملة منشؤها المحيط الأطلسي تهدد
العاصمة نواكشوط بمد بحري مفاجئ على شكل تسونامي قد يضرب السواحل ويجتاح لعاصمة أو بعض أحيائها الواقعة على ارتفاع منخفض جدا بالمقارنة مع مستوى سطح البحر ، فما هي المؤشرات التي تعزز هذه المخاوف وإلى أي حد يمكن أخذها على محمل الجد وما هي الدواعي والأسباب التي ولّدت هذه المخاوف وما هي الأسس التي بنيت عليها ؟

أسباب عديدة تلك التي جعلت المختصين يدقون منذ سنوات ناقوس الخطر للفت انتباه الجهات
الرسمية والشعبية إلى احتمال وجود تلك المخاطر لعمل ما يمكن عمله وتلافي ما يمكن
تلافيه في هذا الشأن ، والحقيقة أن هناك عوامل متعددة ومتداخلة كانت وراء هذا
الشعور بالقلق منها عوامل يمكن اعتبارها داخلية فيما يعتبر البعض الآخر منها ذا
بعد عالمي أو كوني :

أولا - عوامل ذات أبعاد داخلية :

وتتعلق بموقع المدينة وموضعها وبخصائصه الطبيعية وبتسيير مجالها الحيوي وبنيتها التحتية ومن أهم هذه الأبعاد :

- اختيار موضع المدينة أصلا والمكان الذي شيدت فيه على شاطئ المحيط في منطقة سهلية منخفضة جدا بالنسبة لمستوى سطح البحر وغير محمية منه بحواجز طبيعية أو اصطناعية . - الاستنزاف الكبير الذي عرفه الحاجز الرملي الذي كان يفصل المدينة عن البحر بسبب الاستغلال المفرط لرماله أثناء التوسع الكبير والعشوائي الذي عرفته المدينة خلال العقود الماضية وعدم وعي السلطات والسكان على حد سواء في وقت مبكر بحيوية هذا الحاجز وأهميته في تأمين المدينة .

- التصحير وعوامل التجوية التي ما فتئت تعبث برمال الشاطئ في حركية هستيرية دائمة في ظل غياب أي حماية ميكانيكية أو احيائية لها .

- عدم وجود شبكة صرف صحي في المدينة مما تسبب في ترسب المياه العادمة وتشبع التربة بها بشكل كبير وهي المشبعة أصلا بسبب قرب المياه الجوفية من سطحها وهو ما أدى إلى تآكل القشرة الملحية الجبسية الهشة الفاصلة بين التربة وبحيرة المياه الجوفية .

ثانيا : عوامل ذات أبعاد عالمية وكونية
وهناك أسباب عالمية تتمثل في ظاهرة تغير المناخ الناتجة عن الاحتباس الحراري الذي أصبح من عقود أحد أبرز المشكلات العالمية وأكثرها إثارة للجدل .

الاحتباس الحراري وتغير المناخ ماذا يعنيان ؟

إن وجود الغلاف الجوي بمكوناته الغازية الطبيعية المعروفة هو ما يسمح لمعدلات درجات
الحرارة على سطح الأرض بالإرتفاع من (- 18ْ م) في حالة ما لو كان الغلاف الجوي غير
موجود إلى (+15ْ م) في وجود هذا الغلاف الحيوي لاستمرار الحياة على كوكبنا الأرضي وتعني ظاهرة الإحتباس الحراري زيادة معدلات درجات الحرارة عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية بسبب النشاطات البشرية التي زادت الإنبعاثات الغازية المسببة للإحترار بمعدلات كبيرة أدت إلى زيادة تراكيز هذه الغازات بنسب تصل مثلا إلى 30 % عند CO2 عما كانت عليه قبل 100 سنة من عام 2004 وقد تضاعف تركيز غاز الميثان CH4 وزاد تركيز أكسيد النتروز N2O في الغلاف الجوي خلال نفس الفترة بنسبة 18% وقد سببت هذه الزيادات ارتفاعا في معدل درجات الحرارة عند سطح الأرض يساوي ( 0,74 + أو – 0,18 درجة مئوية ) وبحسب الهيئة الدولية المعنية بتغيرات المناخ IPCC)) فإن أغلب هذه الزيادة حدث في النصف الأخير من القرن الماضي ، أما تغير المناخ فيعني التغيرات المعتبرة إحصائيا المسجلة على حالة المناخ بشكل دائم أو خلال فترة طويلة بسبب تبدل مكونات الغلاف الجوي بشكل طبيعي أو بفعل الإنسان .


كيف تتم آلية الاحتباس الحراري؟ :


عندما ترسل الشمس أشعتها إلى الأرض فإن الغلاف الجوي يعترض هذه الأشعة ويتمكن من عكس حوالي 30% منها إلى الفضاء الخارجي ويمتص حوالي نسبة 20% ، أما 50% المتبقية فإنه يُنفذها إلى سطح الأرض الذي يمتصها ولكنه يعيد إلى الغلاف الجوي ما يعادلها في صورة أشعة تحت حمراء طويلة الموجة ولكن غازات الدفيئة لا تسمح إلا بمرور نسبة
قليلة منها لا تتجاوز 5% في الوقت الذي تمتص فيه 95% المتبقية من هذه الأشعة مسببة بذلك سخونة للطبقات السفلى من الغلاف الجوي ومن سطح الأرض وكلما زاد تركيز غازات الدفيئة هذه في الغلاف الجوي كلما كانت قدرته على امتصاص الأشعة تحت الحمراء المنعكسة من سطح الأرض أكثر كفاءة وبالتالي
تزداد درجات الحرارة ارتفاعا .


ما هي غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ؟ :

الغازات المسئولة عن الاحتباس الحراري بعضها طبيعي بحت وبعضها ناجم عن النشاط البشري فقط وبعضها طبيعي وبشري في آن واحد ، أما الطبيعي منها :

- بخار الماء H2O المتأتي من عمليات التبخر

- ثاني أكسيد الكربون CO2

- غاز الميثان CH4

- غاز الأوزونO3

- أكسيد النتروزN2O

أما الغازات الناتجة عن النشاط البشري فهي :

- غازثاني أكسيد الكربون CO2 ومصدره احتراق الوقود الأحفوري وحرائق الغابات

- غاز الميثان CH4 ومصدره من الحيوانات المجترة والزراعة خصوصا زراعة الأرز

- أكسيد النتروز N2O ومصدره الأسمدة المستخدمة في الزراعة و كذلك مختلف العمليات الكيميائية

- مركبات الكربون الكلورية الفلورية CFCs وتتميز بأن مصدرها بشري محض جراء عمليات التكييف وصناعة المعلبات المضغوطة وبعض الصناعات الأخرى مثل صناعة الألمنيوم بالنسبة لمركب(PFC) و صناعة العوازل الكهربائية بالنسبة لمركب SF6)).





دور موريتانيا في إطلاق الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري:

لا تعتبر موريتانيا مصدرا مؤثرا من مصادر الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري لمحدودية النشاطات المرتبطة به فنصيبها من غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 المحرر لا يتعدى 3097 طن سنة 2002 محتلة بذلك المرتبة 121 عالميا من أصل 181 دولة وهذه الكمية تكاد تكون مهملة إذا ما قورنت بالانبعاثات العالمية من هذا الغاز التي تجاوزت 30 مليار طن سنة 2007 تنفرد الصين وحدها بإطلاق أكثر من 6 مليارات طن منها متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية التي يزيد انتاجها قليلا على 5.7 مليار طن في نفس الفترة ، ويعتبر نصيب الفرد الموريتاني من هذه الاصدارات المسببة لظاهرة الاحترار العالمي من أخفض النسب إذ لم يتجاوز 0.6 طن متري للفرد سنة 2007 محتلة بذلك المرتبة 164 عالميا من أصل 206 من الدول ، في حين جاءت دولة قطر في الصدارة بمعدل يبلغ 55.4 طن متري للفرد متبوعة بالجزر الهولندية ثم دولة الامارات العربية المتحدة فدولة الكويت بمعدلات تصل 32 و 31 و 30 طن متري للفرد على التوالي لنفس الفترة .

وبالرغم من محدودية الدور الموريتاني في استفحال هذه الظاهرة شأنها في ذلك شأن أغلبية الدول الافريقية خصوصا والدول الأقل تقدما عموما فإن الآثار التي تطالها من جراء لظاهرة تعتبر كبيرة بل هي من ضمن الدول المصنفة باعتبارها الأكثر تضررا من التغيرات المناخية بسبب هشاشة وضعها المناخي ولطبيعة سواحلها الرملية المنبسطة ولضعف البنى التحتية فيها ، ولأن الظاهرة عالمية بامتياز والملوثات المحررة لا تعترف بالحدود ولا تحتاج إلى تأشيرة دخول أو عبور والغلاف الجوي الذي يحتضن هذه الملوثات ويحتفظ ببعضها لعقود من الزمن لا يعرف الحواجز ولا تنال منه المسافات .

تأثيرات الظاهرة على موريتانيا عموما :

في دراسة للبنك الدولي معدة سنة 2009 حول الدول الأكثر عرضة لتأثير التغيرات المناخية وردت موريتانيا ضمن الدول العشر الأكثر تضررا في مناسبتين من أصل خمسة مخاطر صنفتها الدراسة باعتبارها المخاطر الأكثر تهديدا للبشر بسبب تغيرات المناخ .

لقد احتلت موريتانيا المرتبة السابعة ضمن الدول الأكثر تهديدا بموجات الجفاف مسبوقة
بدول : المالاوي - أثيوبيا - زمبابوي - الهند - موزمبيق - النيجر ، ويعود سبب احتلالها لهذه الرتبة المتقدمة إلى الهشاشة الكبيرة للمناخ في موريتانيا أصلا وعدم انتظام التساقطات المطرية في هذا البلد في توقيتها وتوزيعها وكمياتها ومدة أيامها وهو ما جعل البلد عرضة بشكل دوري إلى موجات جفاف متتالية تجتاحه تقريبا كل ثلاثة عقود وتشكل ظاهرة التغيرات المناخية عاملا إضافيا يزيد من تفاقم هذه الهشاشة وتعزيزها .

أما الخطر الثاني من هذه الأخطار التي رصد التقرير فيتعلق بارتفاع منسوب مياه البحار و
المحيطات ، وفي هذا المضمار أحرزت موريتانيا موقعا أكثر تقدما باحتلالها للمركز الخامس مسبوقة بدول : فيتنام - مصر - تونس - اندونيسيا وقبل ذلك بطبيعة الحال مجموع الجزر منخفضة الارتفاع المتناثرة في أحضان بحار العالم ومحيطاته المختلفة .

إن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات هو أحد نتائج الاحتباس الحراري ، فكما أن الاحتباس الحراري يسبب ارتفاع درجة الحرارة فإن هذا الأخير يسبب ذوبان الجليد القطبي والجليد المتراكم على قمم الجبال الشاهقة وهو ما يسبب تدفق كميات هائلة من المياه تنضاف إلى المحيطات والبحار مسببة ارتفاع منسوب مياهها .

تجد خطورة ارتفاع منسوب مياه البحار على موريتانيا تفسيرها في كون معظم الشواطئ
الموريتانية بما في ذلك شاطئ نواكشوط مكشوفة تماما ولا يفصلها عن اليابسة المنبسطة
(آفطوط) إلا حاجز رملي (ازبار) تتفاوت أهميته بين منطقة وأخرى وهو عرضة بشكل دائم
لعوامل التعرية لخلوه تقريبا من غطاء نباتي يساعده على الصمود في وجه تلك العوامل
.

يُعتقد ان معدلات درجات حرارة الأرض زادت بما يربو على 0.74 درجة مئوية عما كان عليه الحال قبل الثورة الصناعية ويعتقد علماء البيئة والمناخ أن ارتفاع معدلات درجات
الحرارة العامة بدرجتين عما كانت عليه قبل العصر الصناعي يعني حصول الكارثة وأن
الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه هو زيادة 1,5 درجة مئوية وهو ما يتطلب خفض الإنبعاثات الحالية بنسب كبيرة جدا وهو ما يعتقدون أنه - وإن كان صعبا - ممكن التحقيق إن اتخذت دول العالم مجتمعة بصدده تدابير قوية وسريعة على كافة المستويات .

و على المستوى الوطني لا بد من الاسراع في اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات الخاصة التي يمكن أن تقلل من مخاطر أي مد بحري ، منهذه الإجراءات :

1- إعادة بناء الحاجز الرملي وزيادة سمكه وارتفاعه وحمايته من أي استنزاف .

2- تثبيت الحاجز الرملي بوسائل التثبيت الميكانيكية والإحيائية .

3- العمل على استيراد التكنولوجيا الحديثة المعتمدة في حماية المدن الشاطئية الواطئة ،
والاستفادة من التجارب الناجحة في هذا المضمار مثل التجربة الهولندية .

4- إنشاء نظام صرف صحي عصري وفعال يغطي المدينة وإلزام السكان بالارتباط به وحماية هذا النظام وصيانته بشكل دائم من ترسبات الأتربة والقمامة .

لاشك أن اعتماد تدابير كهذه وتطويرها باستمرار و تعزيزها بإجراءات مماثلة تصب في نفس الاتجاه سيحمي مدينة نواكشوط من هذا الخطر المحدق ويجعلها أكثر أمانا خصوصا إذا ما أفلحت الجهود الدولية المبذولة في سبيل تخفيض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو تخفيف هذه المخاطر على الأقل عند حدودها الدنيا في حال ما إذا فشلت تلك
الجهود وأبقت الدول الأكثر إضرارا بمنظومة الغلاف الجوي على مستويات إنتاجها
الحالية ... وإلا فمستقبل المدينة سيبقى غامضا ومحفوفا بالمخاطر ومفتوحا على عديد
الاحتمالات .



عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

باحث في مجال البيئة

الجاليات

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025