تاريخ الإضافة : 19.12.2012 22:40

المؤتمر الثاني.. ورسالة التغيير

محمد ولد عبد الرحمن

محمد ولد عبد الرحمن

يعيش الشارع السياسي الوطني والإسلامي منه -على وجه الخصوص -حالة من الترقب في انتظار ما ستكشف عنه وقائع المؤتمر العام لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ، وينعقد مثل هذا المؤتمر دوريا ويلتزم بانعقاد مثله مختلف الأحزاب السياسية في بلادنا ، لكن الذي يطبع هذا المؤتمر ويمنحه أقصي درجة من الاهتمام هو عدة اعتبارات كل واحد منها على قدر كبير من الأهمية :
1-السياق الزمني حيث تعيش موريتانيا والعالم العربي من حولها حالة هيجان وتململ جراء الأوضاع المزرية التي أنت تحتها الشعوب ردحا طويلا من الزمن ، فانطلق الربيع العربي بتوقيع من الشعوب نفسها لتتهاوي عروش كانت من أعتا معاقل القهر والاستبداد ، وغدا التغيير مطلبا لدى الجميع وثقافة توجه مشاريع الخطط وأسلوب حياة ينسجم مع سنن الله الكونية (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
ولم يكن الإسلاميون في موريتانيا إلا جزء من هذا العالم المطالب بالتغيير ، لكن يتوجب عليهم اليوم - أكثر من أي وقت مضي - أن يلتزموا بما يدعون إليه من تغيير بدءا بالأنفس ومرورا بالأفراد ووصولا إلى رفع سقف المطالب التغييرية ، حتى يسود الإسلام وتتحقق العدالة على هذه الأرض.
2- الوضعية الراهنة في موريتانيا حيث يتشكل المشهد السياسي الموريتاني اليوم وتتصارع فوقه إرادات متباينة ، لم تستطع واحدة منها- حتى الآن - حسم المعركة لصالحها، والإسلاميون فوق هذه الحلبة قوة معتبرة يعول عليها أنصار التغيير وأحبة الربيع ، فلا بد للحزب المحسوب عليهم أن يكون حزب مؤسسات وليس حزب أشخاص، تتغير هياكله باستمرار وتتجدد عطاآته مع مرور الزمن، فلا يزال يكتسب مزيدا من عوامل القوة وأدوات التغيير.
3- الحالة الاسلامية في البلد : فقد استطاعت الصحوة الإسلامية في موريتانيا أن تظلل الجميع - شيبا وشبابا ، نساء ورجالا- وأن تكون حاضرة بهديها المبارك في الإعلام والتعليم و وفي بقية مؤسسات التنشئة الاجتماعية .
لكن الدعايات المضادة قد خلفت انطباعات واسعة النطاق لدى جماهيرغفيرة من هذه الصحوة ، مفادها أن حزب الإسلاميين من دون زيد من الناس أو عمرو من البشر غير موجود على أرض الواقع ، وأن هذا الفرد أو ذاك ، إذا لم يكن على رأس الحزب لن يكون في ساحة الفعل والعطاء ، وشائعات أخرى لابد أن يكذبها الإسلاميون اليوم بالفعل لا بالقول وبالممارسة لا بالمشاكسة .
4- الزخم الإعلامي الذي يحظي به المؤتمر :عشرات من الشخصيات الإسلامية العالمية تحضر هذا المؤتمر من بينها مسئولون حكوميون وقادة حركيون وزعماء سياسيون ، الأمر الذي استدعى الاهتمام الإعلامي المبكر بهذا الحدث ، حتى قبل انعقاد المؤتمر ، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي هي الجهة التي عكست هذا الزخم الكبير للمؤتمر ، حضور متميز لعله يكون خير حافز على الإبداع في الأداء وأفضل دافع إلى الإخلاص ، وأحسن ملهم بالتحرر والانطلاق ، بعيدا عن إكراهات واعتبارات سلبية، ليكون الرابح الأول هم الإسلاميين كجماعة .. حتى ولو خسر فرد أو أفراد مواقع كانوا يحتلونها أو سلطات كانوا يتمتعون بها ، فالتموقع داخل القلوب خير لهم .. وهم يعلمون .
تلك اعتبارات بل تحديات جعلت هذا الحدث أكبر من حجمه ، واقتضت من الإسلاميين وقفة حازمة تقدر الظرف ، وتعتبر بالحراك السائر من حولها في كل مكان، وتجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
ومما لا يجوز التشكيك فيه هو إدراك المؤتمرين لهذا الواقع ووعيهم الشديد لخطورة المرحلة ، لكن اللقطة المكبرة تخفي ملامح صاحبها أحيانا ، ومن يباشر التشييد قد يعوج البنيان دون أن يشعر بذلك .
ومن هنا يجب على الحكماء وأهل الخبرة والشأن أن يكونوا بين ظهرانيهم ظهيرا منيعا ، وأن يحملوا المشعل وضاء أمامهم، وأن يفقهوهم في فقه المرحلة ، ورسالة الوقت الراهن، وأولوية المسار الجديد.
ولا نبالغ إذا قلنا بأن الإسلاميين اليوم ، من حقهم أن يفتخروا بأنهم أصبحوا يمتلكون الكادر القادر على تولى المسؤوليات ، مهما كانت أثقالها . ففي الزمن الماضي تخرجت أجيال وتدربت أخرى ، وحان لهؤلاء وأولئك أن يوضعوا على المحك ، وتستغل قدراتهم ، بل إن من بين المسئولين الممسكين اليوم بزمام بعض المهام داخل الحزب من يستطيع بجدارة أن يواصل السير على هذا الدرب - ومن مركز القيادة - ويضيف الجديد المفيد، وأن يحمل بشائر التغيير في أفق جديد من المرونة السياسية والجودة العالية في مخرجاتها . فالارتهان لخيار معين ، والتشبث بموافق غير مبدئية، والتخندق في وجه صناع حدث بعينه أمور لا يجب أن تكون أكثر من تكتيكية.. ويستطيع أيضا أن يفسح المجال واسعا لإعادة ترتيب البيت الداخلي ، وتنقية الأجواء داخل الساحة العامة، وتنويع الأداء المشترك بين الفعاليات الحزبية المختلفة ، دون أن يكون سببا في تعطيل طاقات مقدرة ومعترف بها لأصحابها والتي يمكن استغلالها بطرق شتى .
ولن يكون أصحاب هذه الطاقات التي لعبت دورها كاملا في السابق حجر عثرة أمام هذا التوجه ، نظرا لما يتمتعون به من إخلاص وحكمة وحنكة .
مع أنه لا اعتبار لأي حساسة فردية في وقت صناعة التوجهات الباعثة على التغيير والعاصمة من الترهل والنرجسية ..
فما من شيء قد حاق بالجماعات والمؤسسات أخطر من الاستبداد والركود في الموقع الواحد ، خاصة وأننا نعبر محطة تاريخية حساسة ، المهم فيها أن يصدر عن الإسلاميين وعن مؤتمرهم رسالة مقروءة من الجميع ومفهومة في سياقها وهي أن كل شيء يهون إلى العدول عن منهج التغيير، يعلنونها مدوية من فوق كل منبر و يتمثلونها في واقعهم اليوم وفي مؤتمرهم حين اقتضى المقام وسنحت الفرصة.

الجاليات

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025