تاريخ الإضافة : 26.11.2012 11:35

الاستثمار في الإنسان

قرأنا كثيراً عن الاستثمار في الإنسان وفوائده الجمة على البشرية، لكن كل ذلك ظل شعاراً ترفعه العديد من الدول والمؤسسات بدون أن يجد طريقه إلى الترجمة على أرض الواقع، لكن المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية كانت نشازاً في الأمر؛ حيث استطاعت فعلاً أن تستثمر في الإنسان، وليس أي إنسان، وإنما الإنسان المنسي في غياهب البعد التي ظل فيها ضحية للبؤس والجهل والفقر والعجز.

قبل أيام قليلة دعاني الأستاذ يوسف ولد عبد الفتاح، وهو المدير التنفيذي لهذه المؤسسة، إلى حضور حفل تدشين مركزين للتكوين والتأهيل تم تدشينهما في ولايتي الحوض الشرقي والغربي، وقد انتهزت هذه الفرصة للبحث في حقيقة عمل هذه المؤسسة غير الحكومية في بلادنا، ومكنني حضور الحفلين المذكورين من معرفة الكثير من الأشياء والحقائق التي تغيب عنا في زحمة ما يرد كل وقت من التضليل الإعلامي المتدفق من كل حدب وصوب.

لست من الذين يزيفون الأشياء أو ينكرون الجميل -إن لم يكن لهم منه نصيب ذاتي وافر- ولهذا أخذت على نفسي عهداً بكتابة الحقيقة التي رأيتها بأم عيني واستقيتها من الناس، وليس ممن يستخدمونهم دائما دون أن يؤول إليهم شيء من الجدوى، ولذا فإن ما سأرويه في هذه السطور هو جزء يسير من الحقيقة التي اطلعت عليها ويجب أن تقال بغض النظر عن أي شيء آخر.

***

أنشئت هذه المؤسسة قبل أكثر من سبع سنوات من الآن بتمويل سخي من الشيخة موزة بنت ناصر المسند؛ عقيلة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وقد حددت أهدافها منذ البداية بمساعدة الناس، ليس بالطريقة التقليدية الجامدة التي تتبخر وتتلاشى بمجرد نفاد المادة المقدمة فيها، وإنما بالسمو بمفهوم المساعدة ليكون ذا طابع يحمل مقومات البقاء، حين تستهدف الاستثمار في الإنسان نفسه، في عقله وفكره ومهاراته، توظيفاً لكل قدراته الذاتية، مما يجعله قادراً على ضمان الارتقاء بنفسه دائماً.

ولقد لخصت الشيخة موزة هذا البعد السامي في مبدأ المساعدة حينما أشرفت على وضع حجر الأساس لمقر المؤسسة في نواكشوط بقولها "إن المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية، قبل أن تكون إطاراً تنظيمياً للتعاون، هي جسر يربط بين الخليج والمحيط، يختزل المسافات، ويوطد التاريخ، ويعزز الحاضر، ويبني المستقبل".

وفي هذا المعنى يقول المدير التنفيذي للمؤسسة السيد يوسف ولد عبد الفتاح في خطاب ألقاه بمدينة النعمة أثناء تدشين مركز للتكوين فيها، إن "هذه المؤسسة دأبت منذ تأسيسها تنفيذاً للتوجيهات المقدمة، وعملاً بمتطلبات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، على تبني مفهوم ديناميكي للمساعدة، يرمي إلى جعلها تنفع الناس وتمكث في الأرض، كما يبعدها عن أنماط التدخلات المبعثرة قليلة الفائدة سريعة الزوال".

ولم تخلف المؤسسة ما وعدت؛ فقد حرصت الشيخة موزة -عبر مكتبها- على تجسيد هذا الدور المنوط بالمؤسسة على الأرض بتعليم الناس وتكوينهم وتأهيلهم ومساعدتهم، فتم إنشاء خمسة مراكز للتكوين والتأهيل في موريتانيا، إضافة إلى "مجموعة من المشاريع والبرامج المتكاملة كان محورها الأول متمثلاً في المساهمة في الرفع من مستوى القراءة والتعليم وتعزيزهما بتكوينات مهنية موجهة لفائدة المستفيدين من أبناء الفئات الفقيرة نساءً ورجالاً، لمساعدتهم على تنمية قدراتهم الذاتية وجعلهم مؤهلين لإدارة مشاريع صغيرة تتناسب مع متطلبات الاقتصادات المحلية في الولايات المستهدفة، وتساعدهم على تحسين ظروفهم" بحسب ما ورد في خطاب المدير التنفيذي.

وبالنظر إلى الأرقام، فإننا نجد أن المؤسسة قد قطعت أشواطاً كبيرة في مساعدة الناس على مبدأ "ما ينفع الناس ويمكث في الأرض" حيث استفاد من مكونة محو الأمية ما مجموعه 5747 شخصاً؛ موزعين على أربع ولايات هي كل من الحوضين وغورغول وغيدي ماغا، فيما بلغ عدد المستفيدين حتى اليوم من مكونة التأهيل المهني 1757 شخصاً، كما تم تمويل 140 مشروعاً مدراً للدخل، 14 منها لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة.

هذا بالإضافة إلى أن المؤسسة وفرت في إطار برنامج محو الأمية وحده ما مجموعه 316 فرصة عمل و125 فرصة في المجال الصحي، و110 من الفرص موزعة بين المراكز والإدارة.

لقد كلمت بنفسي عدداً كبيراً من النساء اللائي استفدن من هذا المشروع وكن أميات، حيث حولتهن المؤسسة من "عالة على الغير" إلى ربات أسر معيلات للناس، حين تعلمن القراءة واستفدن من تكوين مهني يكفل لهن عملاً يكون مصدراً دائماً للدخل.

هناك مثل عالمي يقول: "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها"، وذاك هو جوهر القضية، فمانح السمكة كان كريماً لإطعامه الجائع مرة واحدة، ولكن معلمه اصطياد السمكة في كل وقت، كان الأكرم لأنه أطعم الجائع في كل وقت.

وفضلاً عن عظيم الأجر الذي ينتظره القائمون على تمويل هذه المؤسسة لما حققوه من محو الأمية عن الناس ورسم الابتسامة على وجوه البائسين، فإن سنة هذا العمل الخيري بامتياز، ستظل سنة حسنة يؤول أجرها وأجر من عمل بمثلها إلى يوم القيامة، للذين أنفقوا مالهم في سبيل سنها، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025