تاريخ الإضافة : 20.10.2012 13:21

...........الأخطاء القاتلة

ليس بتلك البساطة أن يصاب رئيس دولة بهذه السهولة، ولا يعقل أن يضرب الوطن في صميمه وتخترق آخر دفاعاته أمانا دون أن نفكر بجدية في الأمر ونعيد الشريط مرات لنتكتشف أماكن الخلل الذي أدى بالأمور إلى أن تنحو منحى ادراميا كما وقع مساء السبت الاستثنائي في تاريخ موريتانيا الحديث.
إنه لمن المثير للقلق أن يكون رئيس الجمهورية في متناول الرصاص بهذه الطريقة على شارع عام دون أن تكون لدى الدوائر المسؤولة عن حمايته احتياطات من شأنها أن تحول دون إصابته بتلك الطريقة البشعة ومن طرف وحدة عسكرية يفترض بها أن تكون قد أخطرت من قبل بوجود شخص مهم مثل الرئيس.
ليس من السهل على المواطن البسيط تقبل أن رئيس الجمهورية الذي يرمز لهيبة الدولة وكيانها يتم إطلاق الرصاص عليه بتلك الدموية من أناس يفترض فيهم أن يكونوا تابعين لتابعي تابعيه ويخافون من من يخافون ممن يخافون مجرد ذكر اسمه، وأكبر حلم لدى أحدهم هو أن تتاح له فرصة أن يراه من بعيد أحرى أن يصافحه، فأي ظروف تلك التي تحول رئيس الجمهورية من مجرد حلم إلى رجل عادي يمطره جنوده بالرصاص بتلك الطريقة التي تواترت روايات رسمية وغير رسمية عليها.

كيف للمواطن الذي لم يأمن على رئيسه أن يأمن على نفسه من رصاص جيش يفترض فيه أن يكون مصدر أمان للشعب ورئيسه لا مصدر خوف وحزن لهم.
نحمد الله على سلامة الرئيس ونتمنى له الشفاء العاجل والعودة إلى وطنه وأهله معافى، ونحمد الله أن الحادث كان بتلك الصورة التي وردت في الرواية الرسمية، وأنه لم يكن ذا صبغة أخرى لها تداعيات أخرى، شعبنا ووطننا ورئيسنا في غنى عنها، فالحادث كما قيل كان (خطأ) وبالتالي يسقط الجانب الجزائي وينتفي معه الجانب السياسي في القضية، وهو أمر مهم طبعا، لكن يبقى جانب مهم على الرئيس بعد عودته معافى –إن شاء الله- أن يتخذ فيه اجراءات صارمة وهو مجموعة الأخطاء التي أدت إلى وقوع حادث من هذا النوع، والتي إذا لم يتم تلافيها ومعاقبة المسؤولين عنها لن تقف تبعاتها عند هذا الحد وأخشى أن لا يكون الرئيس آخر ضحاياها.
وهنا يجب أن نبدأ بمن أوكل إليهم الشعب مهمة حماية رئيسه وتخلوا عنه (عن غير قصد) بتلك البساطة وأطلقوا للثغرات العنان لتحدد مصير أمة بأكملها، فأين هي الامكانات الاستخباراتية واللوجستية التي من شأنها أن تستطلع أي منطقة يمر بها الرئيس والتنبؤ بأي شيء قد يشكل أي مستوى من الخطر على سلامة الرئيس؟، كيف يترك الرئيس وحده في معركة مع سيارة (مدنية) بها أفراد مسلحون يلبسون لباسا مريبا (كما في رواية موريتانيد) دون أن يكون بإمكان الحراس الشخصيين أو الحرس الرئاسي بشكل عام التصدي للاشتباك أو حتى المشاركة فيه إلى جانب الرئيس؟ وهنا يجب تقصي كل التفاصيل لمعرفة مكامن الخلل ومعاقبة المسؤولين عن وقوع أخطاء جعلت الرئيس يجد نفسه وحيدا يواجه مصيره الذي نجاه الله منه بفضله ومنه، وهو ما يحتم رسم قواعد جديدة للتحرك والحراسة تأخذ في الحسبان حقيقة أن رئيس الجمهورية رمز من رموز الدولة يجب إحاطة كل تحركاته بالظروف التي تكفل حمايته وعدم المجازفة بأي تصرف من شأنه تعريضه لظروف كتلك التي عاش الشعب صدمتها يوم السبت الماضي.
الجانب الثاني من الأخطاء يتعلق بالملابسات والظروف التي اعترضت فيها الوحدة الرئيس والطريقة التي تعاملت بها معه والتي يمكن أن تتعامل بها مع أي شخص آخر يوجد في وضعية كتلك التي كان فيها الرئيس وقت إطلاق النار عليه، وهو لعمري أمر يثير القلق على سلامة المواطنين، وهنا طبعا لا نريد من الجيش أن يتخلى عن الحيطة والحذر المطلوبين لحمايته وحماية الوطن، لكننا ننبه على مجموعة من الأخطاء تستخلص من الرواية الرسمية وملحقاتها(روايتا تقدمي وموريتانيد)، وبحسب هذه الروايات فإن الطريقة التي تم بها اعتراض سيارة الرئيس كانت أشبه بطريقة قطاع طرق منها إلى وحدة عسكرية بصبغة رسمية فالسيارة كانت شخصية وركابها كانوا –كما يبدو- أناسا مدنيين، بل إن رواية موريتانيد تشير إلى أن زي أحدهم كان مريبا إلى درجة لا يمكن معها لأي سيارة عادية أن تتوقف لهم أحرى سيارة الرئيس، الشيء الوحيد المشترك بينهم مع الجيش هو السلاح المصوب إلى السيارة وهو أكثر داع قد يحدو بالانسان إلى الخوف أكثر ومحاولة النجاة بنفسه، وهنا يجب أن نتصور المشهد من زاوية أخرى ونتخيل أن الحادث وقع لشخص عادي، فحتما سيصنف الحادث على أن شخصا مشبوها تجاوز حاجز تفتيش عسكري وسيكون في أحسن الحالات متهما بأنه أخطأ في حق الجيش وعليه تحمل تبعات ذلك بينما الواقع يقول بأن منتمين إلى الجيش لا يرتدون أي زي رسمي وليست لديهم آليات عسكرية ولا إشارات توقف معهودة حاولوا اعتراض سيارة مواطن آمن فظنهم قطاع طرق فخاف على نفسه وحاول التخلص منهم.
يجب أن ندرك أنه وراء كل حادث مجموعة من (الأخطاء) على الجميع تقبلها وتحمل المسؤولية (التقصيرية) عنها والعمل بجد على إصلاحها وأخذ كامل الحيطة لتفاديها في المستقبل خصوصا إذا تعلق الأمر بسلامة وأمن الوطن والمواطنين وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية.
عبد الله ولد أحمدو
aabdelahi@yahoo.fr

الجاليات

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025