تاريخ الإضافة : 24.09.2012 16:41

كلمة الإصلاح: إلى المجلس العملي لإذاعة القرآن الكريم

محمدو ولد البار

محمدو ولد البار

رسالة مفتوحة وموجهة إلى أعضاء المجس العلمي لإذاعة القرآن الكريم، وإلى كل من شارك في المظاهرة القرآنية المحظرية تحت أجواء المسابقة القرآنية الكبرى من جهة، وإلى رئيس الجمهورية الآمر بكل ذلك النشاط المحظري من جهة أخرى للعلم.

أيها العلماء الأفاضل، أعضاء المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم، وجميع المشاركين في تلك التجمعات الإسلامية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وغفرانه ومسامحته...

وبعد:

فإن موضوع هذه الرسالة أو هذا التنبيه أو هذا التذكير هو إلفات نظركم الكريم، أو بعبارة أوضح أنبهكم على الفجوة الواسعة والنافذة الكبيرة التي تركتموها في عملكم المحظري، والذي أصابكم فيه ما أصاب فتى موسى عند وصوله إلى صخرة البحر، وإننا نعيذكم جميعا مما أعاذت به امرأة عمران ابنتها مريم.

أيها العلماء والسادة الكرام،

نحن لا نعرف من أين جاءكم هذا الشيطان الرجيم الذي أنساكم –وأنتم تستعرضون المحاظر الموريتانية الشنقيطية في القرون الماضية من القرن 11 هـ إلى موريتانيا الحاضرة- كيف نسيتم محظرة هي أم المحاظر، وهي التي انبثقت من كثرة طلابها عدة محاظر، حتى أطلق عليها اسم "الكحلة والصفرة" نتيجة لبناء خيمة أخرى من وبر الإبل بعد أن كانت من وبر الضأن، وكثر عليها الطلاب، ولعلكم –بعد هذا النسيان- أصبح فرعهما "بيضاء" تحت خيمة من القماش، والآن أصبح دارا للعلوم عندما انتهى الرحيل في مقر للعلم والتقوى من أول يوم أسست إلى يومنا هذا.

إن هذا النسيان الذي نشأت عنه –بكل أسف في عملكم الجبار المرحب به في كل موريتانيا – تلك الفجوة المشينة لبداية بنائكم أو إعادتكم لبناء الصرح الثقافي المحظري الذي نعتز به جميعا، ليذكرنا هذا النسيان بما يحكى أن رجلين اختصما على الإمامة، فوثب أحدهما إلى مكان الإمام وأحرم بالصلاة، ولكنه نسي الفاتحة، فثار عليه الحاضرون يصيحون به: ما أعظم وما أكبر ما نسيت من الصلاة.

ونحن نعامل القضية بأنها نسيان، فلو فكرنا بأنها عمد لطلبنا من المشايخ العظماء المرحومين بإذن الله تعالى، والذين جددتم لهم الاعتبار وأشدتم بهم وبمحاظرهم، وهم أهل لذلك وأحق به وأهله، لطلبنا منهم الرجوع إلى الدنيا ليروا بأعينهم ما سوف ينكرونه إنكارا صارخا، ونطلب منهم حضور محاكمة جميع من ساهم في تلك الاجتماعات وترك عمدا ذكر محظرة المحاظر، والتي كان منبعها أكثر انسيابا في أنحاء موريتانيا علما وورعا.

وكأنه لم يكن في يوم من الأيام أو في قرن من القرون في الوسط الشنقيطي محظرة أو محاظر تصب في كل الاتجاهات يمينا وشمالا، شرقا وغربا.

وعندما يحضر أولئك العلماء الأجلاء لتلك المحاكمة فسيكونون الشهود المبرزين في عظمة وشناعة الفعلة، وسيتعجبون ممن تولى كبر هذا العمد أو هذا النسيان شبه العمد الذي لو علم به كل الموريتانيين لذهبت من قلوبهم الغبطة والسرور الذي نشأ في الوسط المحظري الموريتاني عند الإعلان عن تلك المظاهرة الثقافية المحظرية.

أيها العلماء،

إن الذين كرمتموهم أكثرهم خريجو محاظر الكحلة والصفرة التين نسيتموهما، ففي الشمال اسألوا محظرة الشيخ سيديا الكبير، ومحظرة أهل أحمد ولد محمد سالم... وفي الجنوب اسألوا محظرة أهل أحمد الهادي، ومحظرة أهل أبي المعالي، ومحظرة محمد الأمين ولد أحمد زيدان...

وأنا أتعجب من هذا النوع التكتيكي الذي كان يستعمله ملاح طائرة القيادة للمجلس العلمي، والذي كان يحلق في أجواء موريتانيا من الجنوب إلى الشمال ولا يمر بوسط البلاد، فلو مر بوسط البلاد وحلق آلاف الأقدام ارتفاعا لوصله شعاع أنوار المحاظر.

وللعلم فإن اثنين من الثلاثة الأوائل الفائزين في المسابقة الكبرى هم من وسط البلاد ومن منطقة واحدة تنتسب إليها محظرة الكحلة والصفرة وفرعهما الحالي.

وللعلم كذلك فإن فرع الكحلة والصفرة الآن دار يقودها العالم الجليل الورع محمد يحي ولد المنجى القاطن والمرابط بهذه المحظرة في مكان البلد الطيب يغذي تلامذته بالعلم الطيب من غير إسماع الدولة أو الحكومة بنشاطه الإلهي، وعند رئيس الحزب الحاكم الآن - أحد تلامذة ذلك الفرع التابع للأصل- الخبر اليقين في هذا الصدد.

وهذا العالم الجليل المسمى الحاج أحمد ولد المنجى الشائع له لقبه "محمد يحي" تربع على فرع الحكلة والصفرة في الستينات بعد وفاة أبيه المصطفى ولد المنجى والذي قاد هذا الفرع وأستاذيته في جميع العلوم، وهذا الأخير أيضا تربع على الفرع مكان والده الحاج أحمد ولد المنجى الكبير، والذي هو الآخر خريج الكحلة والصفرة مباشرة على يد العالم الأوحد في ذلك الزمن محمد محمود ولد حبيب الله، والمرابط عبد الفتاح التركزي الذي ذكرتم محظرته من بين المحاظر المجازي له هو الحاج أحمد ولد المنجى أول رئيس لهذا الفرع الذي ما زال موجودا مخلدا لذلك الأصل.

إن من يجهل أو يتجاهل من بين أقطاب المحاظر القدماء والحاضرين دور حبيب الله بن القاضي، وابنه محمد محمود ولد حبيب الله ومحاظرهما الشهيرة، نقول له: "لقد ارتقيت مرتقى صعبا".

إن العالم الأعظم محمد محمود ولد حبيب الله لم يقتصر في زمنه على نشر جميع أنواع العلوم بين أصقاع القطر الشنقيطي، بل طلب واستشار واهتم بتطبيق حدود الله على عباد الله فوق أرض الله، وذلك عندما رأى من نفسه المقدرة علما وورعا وفكرا وقوة، إلا أن بعض المشايخ آنذاك صده عن الفكرة قائلا: "إن أوانها لم يحن بعد".

أما عن مميزات تلك المحاظر الخاصة، فهي كما يلي:

أولا: هي المحظرة الوحيدة التي أفتى قائدها بوجوب الجهاد عند دخول النصارى للوطن الموريتاني، وبعد العجز عن المقاومة هنا هاجرت المحظرة وشيخها مع أمير لبراكنه لينضموا إلى المجاهدين في الشمال.

ثانيا: هي المحظرة التي لكثرة طلابها كل يوم ينقل نص خليل في ألواحها، وعندما ذهبت الرياح بشرح خليل جلس التلاميذ وأعادوه من حفظهم.

ثالثا: إني أقول للجميع أني زرت أكثر النواحي الموريتانية، وإن أكثر المحاظر التي ورد اسمها في التزكية والاعتبار لم يبق إلا اسمها أو رسمها، بينما تلك المحاظر ما زال فرعها يستقبل التلاميذ ميراثا أبا عن جد حتى الآن.

وأنا على يقين أنه يكفي في تفعيل هذه الرسالة سماع أبناء تلك المحاظر الأول والمخلصين لرنين صوت اسم محظرة الكحلة والصفرة ليتذكر منهم من يتذكر.

إن عدم تمثيل تلك المحاظر في إذاعة القرآن الكريم والمجلس العلمي ووزارة الشؤون الإسلامية لا يبيح –نظرا للأمانة العلمية- نسيان أو تجاهل جبال العلم والمعرفة الشاهقة الممتدة من القرن 10 هـ وحتى القرن الخامس بعد الألف.

وكان على مدير الإذاعة الذي استضاف ذلك الحفل التاريخي أن لا يترك هذا الأمر الجلل يمر هكذا نسيا منسيا، فهو وإن كان لا علم له بأصل تلك المحاظر فهو يعرف فرعها جيدا، ويعرف مدى استمرارهم في تلقين العلوم لكافة الناس معرفة وتقوى واتباعا.

وأخيرا؛ فإني أتمنى لمجلسكم العلمي للإذاعة القرآنية وغيره من العلماء الأجلاء التوفيق والسداد في الحاضر والمستقبل، ونعظ القائمين على إحياء فكر وتفعيل المحاظر الموريتانية أن يعودوا لمثل هذا أبدا إن كانوا محظريين موريتانيين.

والله يهديكم ويتولى أمركم.

التوزيع:
- رئاسة مؤسسة الفتوى والمظالم، للعلم والعمل.
- رئاسة الجمهورية، للعلم والعمل.

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025