تاريخ الإضافة : 04.09.2012 19:13
اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات
اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات
(الوليد الجديد..الدور المأمول..انتقادات ..تعقيبات )
مع منتصف الثمانينات , وفي ظل التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الدولية , والنتائج المترتبة علي ذلك من انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي ,والصحوة الديمقراطية لكثير من دول العالم , بدأت مسألة عملية تنظيم الانتخابات تكتسب أهمية متنامية وواضحة ,سواء تعلق الأمر بإدارتها أو تنظيمها ,فقامت منظمة الأمم المتحدة وضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإنشاء شعبة المساعدة الانتخابية لدعم الديمقراطية الانتخابية وإدارة الحكم ,وذلك من خلال برامج طموحة ومتعددة منها برنامج إدارة الحكم في الدول العربية. (POGAR)
: كما ظهرت الكثير من المؤسسات والجمعيات الدولية الناشطة في مجال في الانتخابات وإدارتها من ذلك
)المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات. IDEA(
)المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية .IFES ) .
وقد سعت هذه المنظمات جاهدة من أجل تأطير العملية الانتخابية ووضع معايير وضوابط لها , وتنظيم البرامج والأنشطة في سبيل مساعدة الإدارات الانتخابية حول العالم لتنظيم انتخابات تلتزم أعلي معايير الشفافية والنزاهة والانضباط والحياد .
وتتخذ الإدارة الانتخابية أشكالا وأنواعا متعددة حسب النظام السياسي والواقع الاجتماعي لكل بلد فقد تكون هيئة مستقلة كما هو الحال في كل من كندا والهند ( وهو ما ذهبت إليه الإرادة التوافقية للأغلبية والأحزاب المحاورة من تنسيقية المعارضة في بلادنا ) أو حكومية كما هو الحال في سويسرا وبريطانيا ,كما قد تتخذ شكل الإدارة المختلطة كما هو الحال في كل من اليابان وفرنسا,وعلي اختلاف أنواعها ,إلا أن الهدف الاساس لها هو تنظيم وإدارة انتخابات نزيهة وشفافة , والتعامل بمسافة واحدة مع جميع التشكيلات في المجتمع سبيلا لتحقيق مشاركة عادلة للجميع , وكذلك الاضطلاع بمهامها الدولية فيما يتعلق بإدارة العملية الانتخابية.
إن التوصل من طرف الأغلبية والمعارضة المحاورة لإنشاء لجنة وطنية مستقلة لإدارة العملية الانتخابية بموريتانيا , يعتبر إنجازا تاريخيا , ويمثل لحظة فارقة في مسيرة البلاد عموما , و العملية الديمقراطية بشكل خاص , يدفع بموريتانيا نحو ممارسة ديمقراطية متكاملة , تسير وفق معايير النزاهة والشفافية ,والعدالة .
وسنتطرق في هذا المقال لنشأة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات و لبعض أدوارها , وكذلك بعض الانتقادات الموجهة لها وإن كنا نختلف مع بعض تلك الانتقادات , وسنورد حجج اختلافنا في حينه .
لقد ترتب علي الحوار الذي جري بين الأغلبية والمعارضة المحاورة في شهر أكتوبر 2011 , جملة من الإصلاحات التشريعية تصب في مجالات عديدة , وكان من أهمها الاتفاق علي إنشاء لجنة وطنية مستقلة للانتخابات , وقد تمت إحالة مشروع القانون المنشئ للجنة بعد المصادقة عليه من مجلس الوزراء إلي البرلمان ,وبتاريخ 7 يناير 2012 تمت المصادقة من طرف الجمعية الوطنية , علي مشروع القانون رقم 11/142 المتضمن إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات .
وبتاريخ 15 إبريل 2012 , صادق رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ,بعد مصادقة المجلس الدستوري ,علي جملة القوانين النظامية , والمتعلقة بالإصلاحات الثمانية المنبثقة عن الحوار ومن بينها القانون النظامي رقم 2012/027 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وبموجب مرسوم صادر عن رئاسة الجمهورية 7 يونيو 2012 تم تعيين أعضاء لجنة تسيير اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (لجنة الحكماء) لتؤدي هذه اللجنة بتاريخ 13 يونيو 2012 اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الدستوري ,وبعد تأديتهم لليمين القانونية , أعلن رئيس المجلس الدستوري بدا ممارستهم لأعمالهم .
و اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات حسب المادة الأولي من القانون المنشئ لها : (تنشأ سلطة عمومية مستقلة تسمى "اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وتعرف اختصارا فيما يلي بـ"اللجنة الانتخابية".
اللجنة الانتخابية مؤسسة دائمة تكلف بالإشراف على مجموع العملية الانتخابية فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاء والانتخابات البلدية تتمتع اللجنة بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلالية المالية، ويوجد مقرها في نواكشوط)
وللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , صلاحيات كاملة فيما يتعلق بسير العملية الانتخابية ابتداء من التصديق على لوائح الناخبين ، ولغاية إعلان نتائج الانتخابات , (تتوفر اللجنة الانتخابية في إطار مهمتها المبينة في المادة الأولى على كامل السلطات لتحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية والإشراف عليها بدءا بمرحلة التصديق على اللائحة الانتخابية ولغاية الإعلان المؤقت عن النتائج وإحالتها إلى المجلس الدستوري بقصد الإعلان النهائي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وحتى الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخرى المادة 2)
كما تعتبر اللجنة حسب( المادة 3) من القانون المنشئ مسئولة عن جميع عمليات المسار الانتخابي وبوجه خاص: (
التصديق على اللوائح الانتخابية.
اختيار المترشحين للألوان والشعارات والعلامات / أو الرموز الانتخابية .
تصميم وطبع وتوزيع بطاقات الناخبين.
مراقبة الحملة الانتخابية.
تخزين المعدات الانتخابية في الأماكن التي تعود للجنة الانتخابية أو التي تتكفل بحراستها وإرسالها في الوقت المناسب وعلى مسؤوليتها ونفقتها إلى مراكز ومكاتب التصويت
تنظيم مكاتب التصويت من حيث العدد والتشكيلة وتكوين الأعضاء وتحديد أماكن المسجلين وعددهم في كل مكتب من مكاتب التصويت .
تنظيم عمليات التصويت والفرز وصياغة المحاضر وإرسالها.
مركزة وإعلان النتائج المؤقتة وإحالتها إلى المجلس الدستوري بالنسبة للانتخابات الرئاسية.
.) مركزة وإعلان النتائج بالنسبة للانتخابات الأخرى.
وتتمتع اللجنة باستقلالية كاملة وحيادية تامة وهي بصدد أداء وظائفها , ولا يجوز لأي جهة كانت التدخل في شؤونها أو الحد من صلاحياتها, يتضح ذلك من خلال( المادة/ 5) التي تنص علي : تتمتع اللجنة الانتخابية في أداء وظائفها بكامل الاستقلالية ولا تتلقى أي تعليمات من أي سلطة أو مؤسسة سواء كانت عامة أو خاصة.
وقد منح القانون اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , سلطة غير محدودة ومطلقة للولوج للمعلومات والوثائق الضرورية اللازمة لسير عملها ولأدائها لمهمتها علي الوجه اللائق ففي (المادة/ 25): تلزم السلطات الإدارية المركزية والإقليمية والسلطات الإدارية اللامركزية بأن توفر للجنة الانتخابية جميع المعلومات وأن توافيها بجميع الوثائق الضرورية لإنجاز مهمتها. ولا يمكن الاحتجاج بالسلم الإداري أمام طلبات اللجنة و تلزم الإدارة بإشعار اللجنة الانتخابية بكل معلومة متعلقة بالمسلسل الانتخابي.
وبخصوص أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات, فيتم اختيارهم بشكل توافقي, من قائمة تضم( 14) عضوا, وبواقع( 7) من طرف المعارضة,و(7) من طرف الأغلبية ,ويتم بعد ذلك تعيين( 7) من بين القائمة المقترحة (وبتوافق بين الأغلبية والمعارضة ) بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية .وقد تعرضت( المادة / 6) من القانون المنظم للجنة لشروط وطريقة التعيين بشكل مفصل:
( اللجنة الانتخابية سلطة جماعية تديرها لجنة تسيير من سبعة أعضاء يعينون بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية باقتراح من الأغلبية والمعارضة.
يتم اختيار الأعضاء المقترحين للتعيين من طرف رئيس الجمهورية بشكل توافقي من ضمن شخصيات توجد على قائمة من أربعة عشر عضوا يجري إعدادها بناء على اقتراحات الأغلبية والمعارضة بواقع سبعة (7) أعضاء يقترحهم كل فريق سياسي.
تعرف لجنة التسيير باسم "لجنة الحكماء".
أعضاء لجنة التسيير موريتانيو الجنسية ويكونون قد أكملوا ستين عاما على الأقل من العمر يوم تعيينهم كما يشهد لهم بالكفاءة والاستقامة الأخلاقية والنزاهة الفكرية والحياد والتجربة.
يعين أعضاء لجنة التسيير لمأمورية مدتها خمس سنوات غير قابلة للتجديد. غير أنه في حال انتهاء مأموريتهم بعد صدور مرسوم استدعاء الناخبين، فلن يجري استبدالهم إلا بعد إعلان نتائج الانتخابات القابلة)
يتضح من الإطلالة علي دور وطبيعة تكوين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مدي السلطات الممنوحة لها , سواء من ناحية الاستقلالية أومن ناحية الدور الممتد والذي يغطي بشكل كامل كل أوجه العملية الانتخابية , ولكل من يريد الغوص أكثر قراءة القانون المنظم لسير اللجنة وتنظيمها ودورها وعلاقاتها مع الأطراف الأخرى.
وقد كتب لي الاطلاع علي مجموعة من الانتقادات للقانون المنشئ للجنة الانتخابات ,لا أتفق مع بعضها ,وإن كنت أشاطر تلك الانتقادات ما ذهبت إليه فيما يتعلق بحل اللجنة الواردة في( المادة/ 11) من القانون المذكور وإن كان القانون المنظم لعمل اللجنة قد أخضع(كضمانة) إجراء الحل لأوجه الطعن في القانون العام .
ومن بين تلك المآخذ علي القانون المنشئ للجنة والتي لا أري وجاهتها التالي:
التداخل الكبير بين صلاحية الهيئة الجديدة وعدد من الجهات في مقدمتها المصالح المختصة في وزارة الداخلية، والمجلس الدستوري والمصالح الدبلوماسية المختصة والسلطات المختصة ؟ مثلا :( تفرق فقرة في المادة الثالثة من مشروع القانون بطريقة لا تخلو من غموض بين إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ونتائج الانتخابات الأخرى مما يفهم منه أن إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ولو بشكل مؤقت ليس من صلاحيات اللجنة ، وهو أمر غير منسجم مع خلاصات نتائج الحوار؟)
ولكن الفقرة التي عيب عليها عدم انسجامها مع الحوار, هي في الحقيقة فقرة محكمة, وفي غاية الدقة ومنسجمة مع الدستور, حيث نص الدستور الموريتاني في بابه السادس( المادة/ 83 )علي ما يلي :
( يسهر المجلس الدستوري على صحة انتخاب رئيس الجمهورية , وينظر في الدعاوى ويعلن نتائج الاقتراع) وعليه فإن الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات الرئاسية وبنص الدستور ,هو من صلاحيات المجلس الدستوري , وبالتالي فلا تعارض بين إعلان اللجنة للنتائج وتصديق المجلس الدستوري عليها من خلال إعلانه النهائي واللاحق علي اللجنة وبصريح الدستور ,مما يحصن الفقرة المذكورة من أي عوار قانوني.
ولم يكن نصيب العيوب التي رميت بها المادة 4 من القانون المنشئ للجنة المستقلة للانتخابات بأقل نصيبا من أختها السابقة, حيث لوحظ عليها التالي:
(في المادة الرابعة يتحدث مشروع القانون عن صلاحية اللجنة في السهر على مبدأ التساوي في نفاذ جميع المترشحين إلى الأجهزة الرسمية للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية ، وأن بإمكانها أن توجه " أية ملاحظة أو توصية " للجهات المختصة ، وواضح أن هذه المادة تؤسس لتداخل بين مع صلاحيات ومهام " الهابا؟ كما أنها تعود بالهيئة من صاحبة صلاحية مطلقة إلى لجنة تكتفي بإبداء الملاحظات والتوصيات وتربط نفس المادة تسهيل عمل المراقبين الدوليين للانتخابات بالتشاور مع المصالح الدبلوماسية المختصة ، وهو أمر قد يحد من مستوى الرقابة الدولية للاستحقاقات الانتخابية ؟)
ونحن نعلم أنه في كثير من الأحيان تقع مسئولية تنظيم الخدمة الإعلامية من ناحية ضمان التساوي في ولوج وسائل الإعلام الرسمية ,علي عاتق الهيئة الرئيسة المشرفة علي الانتخابات , وقد كانت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية في (فرنسا) مسئولة لسنوات عديدة عن تنظيم البث في حملات الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك انتقلت هذه المسؤولية مع ظهور المحطات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص. فأنشئت لجنة جديدة ، وهي اللجنة الوطنية للاتصال والحريات ، لضمان استمرار بث مواد الخدمة العامة في مجال البث الخاص ، وكان علي هذه الهيئة القيام بتنظيم البث, رغم ذلك احتفظت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية في( فرنسا) بالمسؤولية عن تنظيم الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام المطبوعة .
مع أن نص المادة لا يوحي بتداخل مطلقا مع صلاحيات " السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية " حيث يشير إلي طابع تنسيقي بعيدا عن الهيمنة,بل إن( المادة /6 ) من القانون رقم 026/2008 المنظم "للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية " تؤسس لهذا النوع من التنسيق حيث تقول :
( يمكن استشارة السلطة العليا في المسائل المرتبطة بالصحافة و السمعيات البصرية أو في مقترحات أو مشاريع النصوص التشريعية المتعلقة بهذه القطاعات , و يمكن للسلطة العليا كذلك أن تقدم مقترحات , و آراء و توصيات إلى السلطات التشريعية و التنفيذية بشأن القضايا ذات الصلة بمجال اختصاصها ) وكذلك في ما يتعلق بالنفاذ الشامل لوسائل الإعلام تشير( المادة/ 4) من نفس القانون السابق إلي :
( السهر على احترام النفاذ العادل للأحزاب السياسية و النقابات و منظمات المجتمع المدني المعترف بها إلى وسائل الإعلام العمومية حسب الشروط التي تحددها القوانين و النظم) وعليه فمادام "حسب الشروط التي تحددها القوانين والنظم " وإضافة للحجج السابقة ,فلا حرج قانونيا من التنسيق مع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ,دون أن يكون في ذلك تداخل أو مصادرة لصلاحيات "الهابا" لحساب اللجنة الانتخابية.
وبخصوص تسهيل عمل المراقبين الدوليين عن طريق التعامل مع المصالح الدبلوماسية المختصة, فلا أعرف وجه الغرابة في ذلك؟
إذ لابد للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , أن تضع نصب عينيها التواصل مع المؤسسات , والمنظمات الدولية ذات العلاقة في البلدان المختلفة , وتعميق أوجه التعاون والتنسيق معها (طبعا عن طريق المصالح الدبلوماسية بشقيها كيانات سياسية ومنظمات دولية ومدنية)، والمشاركة في التعاون الإداري , والفني , من خلال برامج التعاون الثنائية , أو المتعددة , والمشاركة في بعثات الرقابة الدولية على الانتخابات , واستقبال المراقبين الدوليين وتسهيل مهامهم ضمن الأطر لقانونية .
وهو ما يضمن فقط تواصلا جيدا مع هذه الهيئات والمراقبين.
وقبل أن أختم الموضوع, وودت, لو تم في الباب الأول / أحكام تمهيدية, تحديد بعض المصطلحات المستخدمة في القانون المنشئ للجنة الانتخابات, منعا للتداخل والوهم وتعدد التفسير, مما قد يضعف النص, ويقحم فيه قراءات عديدة قد تنحرف بالمعني عن مقصد المشرع,فلو تمت مثلا الإشارة في بداية الباب الأول إلي:
( لأغراض هذا القانون يقصد بالكلمات والتعابير الواردة فيه المعاني المبينة قرين كل منها ما لم يقتض سياق النص معنى أخر) علي أن يتم بعد ذلك تعريف المصطلحات التي يمكن أن تثور حولها قراءات أو تعريفات متعددة تجر للتوهم , مثلا : التصديق , ألمسجلين ,الوثائق الضرورية ؟ ... وغيرها من المصطلحات .
هذه بعض من الملاحظات عن هذه اللجنة الجديدة وردود علي بعض الانتقادات الموجهة لها , وفي الجعبة الكثير لو سمحت المساحة والوقت , ولكن إكراهات الحجم ,وتجنبا للطول الممل للقارئ تجعلنا نكتفي بهذه الإطلالة البسيطة علي الموضوع ..
(الوليد الجديد..الدور المأمول..انتقادات ..تعقيبات )
مع منتصف الثمانينات , وفي ظل التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الدولية , والنتائج المترتبة علي ذلك من انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي ,والصحوة الديمقراطية لكثير من دول العالم , بدأت مسألة عملية تنظيم الانتخابات تكتسب أهمية متنامية وواضحة ,سواء تعلق الأمر بإدارتها أو تنظيمها ,فقامت منظمة الأمم المتحدة وضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإنشاء شعبة المساعدة الانتخابية لدعم الديمقراطية الانتخابية وإدارة الحكم ,وذلك من خلال برامج طموحة ومتعددة منها برنامج إدارة الحكم في الدول العربية. (POGAR)
: كما ظهرت الكثير من المؤسسات والجمعيات الدولية الناشطة في مجال في الانتخابات وإدارتها من ذلك
)المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات. IDEA(
)المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية .IFES ) .
وقد سعت هذه المنظمات جاهدة من أجل تأطير العملية الانتخابية ووضع معايير وضوابط لها , وتنظيم البرامج والأنشطة في سبيل مساعدة الإدارات الانتخابية حول العالم لتنظيم انتخابات تلتزم أعلي معايير الشفافية والنزاهة والانضباط والحياد .
وتتخذ الإدارة الانتخابية أشكالا وأنواعا متعددة حسب النظام السياسي والواقع الاجتماعي لكل بلد فقد تكون هيئة مستقلة كما هو الحال في كل من كندا والهند ( وهو ما ذهبت إليه الإرادة التوافقية للأغلبية والأحزاب المحاورة من تنسيقية المعارضة في بلادنا ) أو حكومية كما هو الحال في سويسرا وبريطانيا ,كما قد تتخذ شكل الإدارة المختلطة كما هو الحال في كل من اليابان وفرنسا,وعلي اختلاف أنواعها ,إلا أن الهدف الاساس لها هو تنظيم وإدارة انتخابات نزيهة وشفافة , والتعامل بمسافة واحدة مع جميع التشكيلات في المجتمع سبيلا لتحقيق مشاركة عادلة للجميع , وكذلك الاضطلاع بمهامها الدولية فيما يتعلق بإدارة العملية الانتخابية.
إن التوصل من طرف الأغلبية والمعارضة المحاورة لإنشاء لجنة وطنية مستقلة لإدارة العملية الانتخابية بموريتانيا , يعتبر إنجازا تاريخيا , ويمثل لحظة فارقة في مسيرة البلاد عموما , و العملية الديمقراطية بشكل خاص , يدفع بموريتانيا نحو ممارسة ديمقراطية متكاملة , تسير وفق معايير النزاهة والشفافية ,والعدالة .
وسنتطرق في هذا المقال لنشأة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات و لبعض أدوارها , وكذلك بعض الانتقادات الموجهة لها وإن كنا نختلف مع بعض تلك الانتقادات , وسنورد حجج اختلافنا في حينه .
لقد ترتب علي الحوار الذي جري بين الأغلبية والمعارضة المحاورة في شهر أكتوبر 2011 , جملة من الإصلاحات التشريعية تصب في مجالات عديدة , وكان من أهمها الاتفاق علي إنشاء لجنة وطنية مستقلة للانتخابات , وقد تمت إحالة مشروع القانون المنشئ للجنة بعد المصادقة عليه من مجلس الوزراء إلي البرلمان ,وبتاريخ 7 يناير 2012 تمت المصادقة من طرف الجمعية الوطنية , علي مشروع القانون رقم 11/142 المتضمن إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات .
وبتاريخ 15 إبريل 2012 , صادق رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ,بعد مصادقة المجلس الدستوري ,علي جملة القوانين النظامية , والمتعلقة بالإصلاحات الثمانية المنبثقة عن الحوار ومن بينها القانون النظامي رقم 2012/027 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وبموجب مرسوم صادر عن رئاسة الجمهورية 7 يونيو 2012 تم تعيين أعضاء لجنة تسيير اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (لجنة الحكماء) لتؤدي هذه اللجنة بتاريخ 13 يونيو 2012 اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الدستوري ,وبعد تأديتهم لليمين القانونية , أعلن رئيس المجلس الدستوري بدا ممارستهم لأعمالهم .
و اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات حسب المادة الأولي من القانون المنشئ لها : (تنشأ سلطة عمومية مستقلة تسمى "اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وتعرف اختصارا فيما يلي بـ"اللجنة الانتخابية".
اللجنة الانتخابية مؤسسة دائمة تكلف بالإشراف على مجموع العملية الانتخابية فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاء والانتخابات البلدية تتمتع اللجنة بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلالية المالية، ويوجد مقرها في نواكشوط)
وللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , صلاحيات كاملة فيما يتعلق بسير العملية الانتخابية ابتداء من التصديق على لوائح الناخبين ، ولغاية إعلان نتائج الانتخابات , (تتوفر اللجنة الانتخابية في إطار مهمتها المبينة في المادة الأولى على كامل السلطات لتحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية والإشراف عليها بدءا بمرحلة التصديق على اللائحة الانتخابية ولغاية الإعلان المؤقت عن النتائج وإحالتها إلى المجلس الدستوري بقصد الإعلان النهائي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وحتى الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخرى المادة 2)
كما تعتبر اللجنة حسب( المادة 3) من القانون المنشئ مسئولة عن جميع عمليات المسار الانتخابي وبوجه خاص: (
التصديق على اللوائح الانتخابية.
اختيار المترشحين للألوان والشعارات والعلامات / أو الرموز الانتخابية .
تصميم وطبع وتوزيع بطاقات الناخبين.
مراقبة الحملة الانتخابية.
تخزين المعدات الانتخابية في الأماكن التي تعود للجنة الانتخابية أو التي تتكفل بحراستها وإرسالها في الوقت المناسب وعلى مسؤوليتها ونفقتها إلى مراكز ومكاتب التصويت
تنظيم مكاتب التصويت من حيث العدد والتشكيلة وتكوين الأعضاء وتحديد أماكن المسجلين وعددهم في كل مكتب من مكاتب التصويت .
تنظيم عمليات التصويت والفرز وصياغة المحاضر وإرسالها.
مركزة وإعلان النتائج المؤقتة وإحالتها إلى المجلس الدستوري بالنسبة للانتخابات الرئاسية.
.) مركزة وإعلان النتائج بالنسبة للانتخابات الأخرى.
وتتمتع اللجنة باستقلالية كاملة وحيادية تامة وهي بصدد أداء وظائفها , ولا يجوز لأي جهة كانت التدخل في شؤونها أو الحد من صلاحياتها, يتضح ذلك من خلال( المادة/ 5) التي تنص علي : تتمتع اللجنة الانتخابية في أداء وظائفها بكامل الاستقلالية ولا تتلقى أي تعليمات من أي سلطة أو مؤسسة سواء كانت عامة أو خاصة.
وقد منح القانون اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , سلطة غير محدودة ومطلقة للولوج للمعلومات والوثائق الضرورية اللازمة لسير عملها ولأدائها لمهمتها علي الوجه اللائق ففي (المادة/ 25): تلزم السلطات الإدارية المركزية والإقليمية والسلطات الإدارية اللامركزية بأن توفر للجنة الانتخابية جميع المعلومات وأن توافيها بجميع الوثائق الضرورية لإنجاز مهمتها. ولا يمكن الاحتجاج بالسلم الإداري أمام طلبات اللجنة و تلزم الإدارة بإشعار اللجنة الانتخابية بكل معلومة متعلقة بالمسلسل الانتخابي.
وبخصوص أعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات, فيتم اختيارهم بشكل توافقي, من قائمة تضم( 14) عضوا, وبواقع( 7) من طرف المعارضة,و(7) من طرف الأغلبية ,ويتم بعد ذلك تعيين( 7) من بين القائمة المقترحة (وبتوافق بين الأغلبية والمعارضة ) بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية .وقد تعرضت( المادة / 6) من القانون المنظم للجنة لشروط وطريقة التعيين بشكل مفصل:
( اللجنة الانتخابية سلطة جماعية تديرها لجنة تسيير من سبعة أعضاء يعينون بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية باقتراح من الأغلبية والمعارضة.
يتم اختيار الأعضاء المقترحين للتعيين من طرف رئيس الجمهورية بشكل توافقي من ضمن شخصيات توجد على قائمة من أربعة عشر عضوا يجري إعدادها بناء على اقتراحات الأغلبية والمعارضة بواقع سبعة (7) أعضاء يقترحهم كل فريق سياسي.
تعرف لجنة التسيير باسم "لجنة الحكماء".
أعضاء لجنة التسيير موريتانيو الجنسية ويكونون قد أكملوا ستين عاما على الأقل من العمر يوم تعيينهم كما يشهد لهم بالكفاءة والاستقامة الأخلاقية والنزاهة الفكرية والحياد والتجربة.
يعين أعضاء لجنة التسيير لمأمورية مدتها خمس سنوات غير قابلة للتجديد. غير أنه في حال انتهاء مأموريتهم بعد صدور مرسوم استدعاء الناخبين، فلن يجري استبدالهم إلا بعد إعلان نتائج الانتخابات القابلة)
يتضح من الإطلالة علي دور وطبيعة تكوين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مدي السلطات الممنوحة لها , سواء من ناحية الاستقلالية أومن ناحية الدور الممتد والذي يغطي بشكل كامل كل أوجه العملية الانتخابية , ولكل من يريد الغوص أكثر قراءة القانون المنظم لسير اللجنة وتنظيمها ودورها وعلاقاتها مع الأطراف الأخرى.
وقد كتب لي الاطلاع علي مجموعة من الانتقادات للقانون المنشئ للجنة الانتخابات ,لا أتفق مع بعضها ,وإن كنت أشاطر تلك الانتقادات ما ذهبت إليه فيما يتعلق بحل اللجنة الواردة في( المادة/ 11) من القانون المذكور وإن كان القانون المنظم لعمل اللجنة قد أخضع(كضمانة) إجراء الحل لأوجه الطعن في القانون العام .
ومن بين تلك المآخذ علي القانون المنشئ للجنة والتي لا أري وجاهتها التالي:
التداخل الكبير بين صلاحية الهيئة الجديدة وعدد من الجهات في مقدمتها المصالح المختصة في وزارة الداخلية، والمجلس الدستوري والمصالح الدبلوماسية المختصة والسلطات المختصة ؟ مثلا :( تفرق فقرة في المادة الثالثة من مشروع القانون بطريقة لا تخلو من غموض بين إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ونتائج الانتخابات الأخرى مما يفهم منه أن إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ولو بشكل مؤقت ليس من صلاحيات اللجنة ، وهو أمر غير منسجم مع خلاصات نتائج الحوار؟)
ولكن الفقرة التي عيب عليها عدم انسجامها مع الحوار, هي في الحقيقة فقرة محكمة, وفي غاية الدقة ومنسجمة مع الدستور, حيث نص الدستور الموريتاني في بابه السادس( المادة/ 83 )علي ما يلي :
( يسهر المجلس الدستوري على صحة انتخاب رئيس الجمهورية , وينظر في الدعاوى ويعلن نتائج الاقتراع) وعليه فإن الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات الرئاسية وبنص الدستور ,هو من صلاحيات المجلس الدستوري , وبالتالي فلا تعارض بين إعلان اللجنة للنتائج وتصديق المجلس الدستوري عليها من خلال إعلانه النهائي واللاحق علي اللجنة وبصريح الدستور ,مما يحصن الفقرة المذكورة من أي عوار قانوني.
ولم يكن نصيب العيوب التي رميت بها المادة 4 من القانون المنشئ للجنة المستقلة للانتخابات بأقل نصيبا من أختها السابقة, حيث لوحظ عليها التالي:
(في المادة الرابعة يتحدث مشروع القانون عن صلاحية اللجنة في السهر على مبدأ التساوي في نفاذ جميع المترشحين إلى الأجهزة الرسمية للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية ، وأن بإمكانها أن توجه " أية ملاحظة أو توصية " للجهات المختصة ، وواضح أن هذه المادة تؤسس لتداخل بين مع صلاحيات ومهام " الهابا؟ كما أنها تعود بالهيئة من صاحبة صلاحية مطلقة إلى لجنة تكتفي بإبداء الملاحظات والتوصيات وتربط نفس المادة تسهيل عمل المراقبين الدوليين للانتخابات بالتشاور مع المصالح الدبلوماسية المختصة ، وهو أمر قد يحد من مستوى الرقابة الدولية للاستحقاقات الانتخابية ؟)
ونحن نعلم أنه في كثير من الأحيان تقع مسئولية تنظيم الخدمة الإعلامية من ناحية ضمان التساوي في ولوج وسائل الإعلام الرسمية ,علي عاتق الهيئة الرئيسة المشرفة علي الانتخابات , وقد كانت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية في (فرنسا) مسئولة لسنوات عديدة عن تنظيم البث في حملات الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك انتقلت هذه المسؤولية مع ظهور المحطات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص. فأنشئت لجنة جديدة ، وهي اللجنة الوطنية للاتصال والحريات ، لضمان استمرار بث مواد الخدمة العامة في مجال البث الخاص ، وكان علي هذه الهيئة القيام بتنظيم البث, رغم ذلك احتفظت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية في( فرنسا) بالمسؤولية عن تنظيم الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام المطبوعة .
مع أن نص المادة لا يوحي بتداخل مطلقا مع صلاحيات " السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية " حيث يشير إلي طابع تنسيقي بعيدا عن الهيمنة,بل إن( المادة /6 ) من القانون رقم 026/2008 المنظم "للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية " تؤسس لهذا النوع من التنسيق حيث تقول :
( يمكن استشارة السلطة العليا في المسائل المرتبطة بالصحافة و السمعيات البصرية أو في مقترحات أو مشاريع النصوص التشريعية المتعلقة بهذه القطاعات , و يمكن للسلطة العليا كذلك أن تقدم مقترحات , و آراء و توصيات إلى السلطات التشريعية و التنفيذية بشأن القضايا ذات الصلة بمجال اختصاصها ) وكذلك في ما يتعلق بالنفاذ الشامل لوسائل الإعلام تشير( المادة/ 4) من نفس القانون السابق إلي :
( السهر على احترام النفاذ العادل للأحزاب السياسية و النقابات و منظمات المجتمع المدني المعترف بها إلى وسائل الإعلام العمومية حسب الشروط التي تحددها القوانين و النظم) وعليه فمادام "حسب الشروط التي تحددها القوانين والنظم " وإضافة للحجج السابقة ,فلا حرج قانونيا من التنسيق مع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ,دون أن يكون في ذلك تداخل أو مصادرة لصلاحيات "الهابا" لحساب اللجنة الانتخابية.
وبخصوص تسهيل عمل المراقبين الدوليين عن طريق التعامل مع المصالح الدبلوماسية المختصة, فلا أعرف وجه الغرابة في ذلك؟
إذ لابد للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , أن تضع نصب عينيها التواصل مع المؤسسات , والمنظمات الدولية ذات العلاقة في البلدان المختلفة , وتعميق أوجه التعاون والتنسيق معها (طبعا عن طريق المصالح الدبلوماسية بشقيها كيانات سياسية ومنظمات دولية ومدنية)، والمشاركة في التعاون الإداري , والفني , من خلال برامج التعاون الثنائية , أو المتعددة , والمشاركة في بعثات الرقابة الدولية على الانتخابات , واستقبال المراقبين الدوليين وتسهيل مهامهم ضمن الأطر لقانونية .
وهو ما يضمن فقط تواصلا جيدا مع هذه الهيئات والمراقبين.
وقبل أن أختم الموضوع, وودت, لو تم في الباب الأول / أحكام تمهيدية, تحديد بعض المصطلحات المستخدمة في القانون المنشئ للجنة الانتخابات, منعا للتداخل والوهم وتعدد التفسير, مما قد يضعف النص, ويقحم فيه قراءات عديدة قد تنحرف بالمعني عن مقصد المشرع,فلو تمت مثلا الإشارة في بداية الباب الأول إلي:
( لأغراض هذا القانون يقصد بالكلمات والتعابير الواردة فيه المعاني المبينة قرين كل منها ما لم يقتض سياق النص معنى أخر) علي أن يتم بعد ذلك تعريف المصطلحات التي يمكن أن تثور حولها قراءات أو تعريفات متعددة تجر للتوهم , مثلا : التصديق , ألمسجلين ,الوثائق الضرورية ؟ ... وغيرها من المصطلحات .
هذه بعض من الملاحظات عن هذه اللجنة الجديدة وردود علي بعض الانتقادات الموجهة لها , وفي الجعبة الكثير لو سمحت المساحة والوقت , ولكن إكراهات الحجم ,وتجنبا للطول الممل للقارئ تجعلنا نكتفي بهذه الإطلالة البسيطة علي الموضوع ..







