تاريخ الإضافة : 20.02.2008 12:49

هيثم مناع: "تعرفت على موريتانيا المنفى قبل موريتانيا المجتمع"

"هذا أهم ما قرأت في نقد الفكر الماركسي ولكن هذا النقد لم يقنعني.." علق تلميذ الثانوية دون العشرين، بهذه الكلمات على دراسة من سبعين صفحة أعدها عن نقد الفكر الماركسي. حدث ذو دلالة كبرى فهو يعني أن الرجل غير مستعد لتغيير قناعاته بسهولة، ستتغير هذه القناعة من العمل السياسي الحزبي إلى العمل الحقوقي الإنساني، درس الطب وعمل طبيبا في فرنسا مضطرا "لم أخير بين عيادة في دمشق وأخرى في فرنسا.."
كتب مبكرا عن قضايا المرأة والأقليات الديينة، وكافح من أجل فلسطين طالبا، هيثم مناع (56 عاما) الطبيب السوري الذي يمزج بين دقة الطبيب، وعمق الفيلسوف، وحصافة السياسي. الأمين العام للجنة العربية لحقوق الإنسان.
قال عن لقائه بالرئيس الموريتاني "هذه أول مرة ألتقي فيها برئيس عربي" منع من زيارة موريتانيا على عهد ولد الطايع، وحين يتحدث عنها ينفث آهات العاشقين، حسرة على بلد "تحت أقدام مواطنيه الثروة وفوق أرضه الفقر"
"الأخبار" التقته خلال زيارته الأخيرة لموريتانيا وتحدثت معه عن حقوق الإنسان والفقر والديمقراطية ومشكل الهوية ووعي النخب:


الأخبار: اطلعتم الآن عن كثب على الوضعية الحقوقية في موريتانيا كيف وجدتموها ؟

هيثم مناع: بشكل إجمالي يمكن القول أن هناك ملفات تم حسمها خلال العامين الماضيين وهناك ملفات تم التعرض لها ولكن لم نشعر أن النخبة السياسية في مجملها قد أعطت الإجابة الراديكالية من أجل مواجهتها، وعند ما أقول الراديكالية أعني جذرية، وليس بمعنى الوقت، السرعة، الزمن وإنما بمعنى العقلية عقلية مواجهة مشكلات أساسية او جوهرية اليوم تحدثت بحرقة أمام مناضلي حقوق الإنسان الموريتاني عن مشكلة العبودية مثلا عند ما تحرك الإلغائيون "الأبوسنيست" في أوربا من أجل إلغاء العبودية لم يكونو في زوارق وبواخر تجارة العبيد، كانت حركة نخبوية من أجل التخلص من عبئ ظلم ينتمي إلى القرون الوسطى من هنا أظن أن هناك مواقف حاسمة للنخبة بالمعنى الديني والدنيوي في هذا البلد من أجل مواجهة هذه المشكلة أيضا بالنسبة لمشكلة الإبعاد، أي إبعاد لأي مواطن يخلق شرخا عميقا خاصة إذا كان هذا الإبعاد يمس مجموعة محددة مجموعة سكانية لها مواصفات ثقافية وإثنية محددة.
الوحدة الوطنية الموريتانية لا يمكن أن تقوم إلا بالوحدة "المواطنية" المواطنة هي الأساس لتحقيق كل ما يسمى من تعبيرات حديثة سيادة وطنية مصلحة قومية عليا كل هذه الكلمات في موريتانيا نشاهد أنها مرتبطة بكلمة واحدة، هي المواطنة عند ما يخوض المجتمع الموريتاني بشكل جدي معركة المواطنة أي معركة النضال المشترك بين "الأسود" و"الأبيض" بين الثقافة الإفريقية العميقة والثقافة العربية الإسلامية العميقة .. معا من أجل كرامة الجميع من أجل أن تكون موريتانيا الجسر بين العالم العربي وإفريقيا صلة الوصل غناها هو غنا لنا جميعا.
نحن في شمال سوريا وفي شمال العراق نتعلم من التواصل بين الجماعتين الأساسيتين في موريتانيا عند ما نواجه القضية الكردية أو عندما نواجه قضية الأقليات بشكل عام هنا نشعر بالاطمئنان الكامل على موريتانيا.

الأخبار: عرفت في السابق الوضع الموريتاني من خلال متابعات عامة لوضعية العالم العربي كيف تنظر إلى المستجدات الحالية في موريتانيا؟

هيثم مناع: أنا أظن أن التجربة الموريتانية تجربة يانعة شابة جاءت في ظروف خاصة جدا عند ما حدث الانقلاب قلت كلمة لإحدى وكالات الأنباء كان ذلك بعد 12 ساعة من الانقلاب ووقتها كان الاتحاد الأوربي والإدارة الآمريكية ضد الانقلاب والدول الإفريقية ضده قلت:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
لم يتركوا لموريتانيا في الجيش والشعب من طريقة غير الخروج على الشرعية الاصطناعية من أجل شرعية حقيقية فالمعركة كانت بناء شرعية تعتمد على الشعب بكل مكوناته وأظن هذه معركة طويلة معركة صعبة وليست بحال من الأحوال معركة تركب من فوق هي مهمة جماعية ضمانها أن يشارك فيها الجميع وضمانها الأساسي في أن لا يستقيل أي طرف إذا كان في تصور المعارضة السياسية والحركة المدنية في موريتانيا أن السلطة تمطر ذهبا أوفضة فهذا خطأ تاريخي أكثر الديمقرايات عراقة في العالم لا تعطي هدايا. الشعوب هي التي تناضل من أجل الحقوق والحريات وبالتالي بقدر ما نملك روح المتابعة النضالية بقدر ما نتأمل التجربة الموريتانية.
الأخبار: ما هي رؤيتكم لما يعتبره البعض أهم إشكالية تواجه التجربة الديمقر اطية في موريتانيا وهي كيف تتعايش الديمقراطية مع الفقر؟
للأسف أنا لم أر الفقر في موريتانيا رأيت أكواخا ورأيت فقراء ولكن كنت على أرض غنية جدا .. موريتانيا هي من أغنى الدول الإفريقية أن لديها أرضا خصبة وفوائد وموارد أساسية وفي نفس الوقت عدد محدود من السكان، وسأعطي مثلا بسيطا: مواطن موريتاني في المهجر لديه وفرة اقتصادية من مشروع تجاري قام به في المهجر خطر على باله أن يقيم مصنعا لتصنيع الثروة السمكية مصنعا متواضعا على سبيل المثال يوفر ثلاثة آلاف فرصة للعمل ويعني بسبب انخفاض مستوى المعيشة هنا أن الصناعة السمكية الموريتانية التي ستكون من الأفضل لأن سمككم من أفضل أنواع الأسماك في العالم هذه الصناعة ستغزو أي بلد.

وأنا لا أظن أن العقل الموريتاني لم يكتشف آلاف الأفكار الأهم من هذه الفكرة المهم أن تتاح الفرص لكافة الطاقات الخلاقة في هذا البلد وأن لا نملك فقط عقلية مدنية سياسية وإنما أن نملك عقلية ثلاثية الأبعاد: (1- مدنية 2- سياسية 3- تنموية) إذا وضعنا هذا الثلاثي في الرأس وترك المجال لكل الطاقات في هذا البلد لمشاريع تنموية إذا نحن في بلد لا يحتاج إلى شيئ وقادر على أن يطعم من حوله أنا في بلد غني .. الثروة تحت أقدام سكانه والفقر فوق أرضه.
الأخبار: (مقاطعة) لكنكم لا شك تلاحظون وجود نقص في البنية التحتية والعنصر البشري يشهد ضعفا في التأهيل وهذه عوائق قائمة؟
هيثم مناع: لا ينقص موريتانيا شيئ فأنا تعرفت على موريتانيا المنفى قبل أن أتعرف على موريتانيا المجتمع حرمني ولد الطايع من الحضور إلى هذا البلد فبل ذلك أول من تعرفت عليه من الموريتانيين هم الموريتانيون في المنفى عند ما كانوا يدخلون السلك التعليمي هم أفضل من يتعلم وعند ما كانوا يدخلون سلك المحامين عند ما كانوا يدخلون السلك العلمي كانوا من خيرة العلماء بالتأكيد ليست هذه موريتانيا وليست هذه الفرص موفرة إلا لأقلية موريتانية ولكن قل لي أين يوجد 90% بالمائة من العلماء؟ موريتانيا تملك طاقات للأسف ما زالت مبعثرة: من جهة ما زال هناك خوف من العودة مازال هناك هشاشة في تصور العلاقة مع الدولة ومازالت الدولة لم تفتح ملفات أساسية لكن أن تؤثر في عملية التنمية فهناك مسئولية جماعية هذه المسئولية الجماعية أظن أنها هي التي تطرح علينا السؤال.
أولا: هل موريتانيا فيها من الخبرات الاقتصادية وطاقات المبادرة الاقتصادية من يفتح الباب من أجل الخروج من الطريق المسدود الحالي.
ثانيا: نحن الآن أمام حصاد بائس حالة النهب العامة للموارد العامة والخاصة بما فيه حالة المبعدين حتى المبعد أخذنا بيته أوأرضه إن الانتقال من هذه الحالة يتطلب عقلية جديدة تعتبر المواطن كائنا أساسيا في عملية البناء عند ما ننتقل إلى هذه المرحلة سننتقل إلى مجتمع غني جدا والإمكانيات في موريتانيا موجودة.

الأخبار: ماهو تقيمكم لمستوى الوعي الحقوقي في موريتانيا؟

هيثم مناع: يمكن القول بأن مستوى الوعي السياسي أكثر وأقوى حتى في الأوساط الحقوقية هو أقوى من الوعي الحقوقي ذاته والسبب هو في طول فترة هيمنة النظام الدكتاتوري وحتى الشبيبة التي تحت الخمسة وعشرين سنة ولدت في ظل الدكتاتورية وبالتالي معركتها الأساسية باستمرار كانت كيف نخرج من قبضة النظام الاستبدادي أكثر من اهتمامها على سبيل المثال بكيف نكتشف الحقوق البيئية أو الحقوق الاقتصادية أو الحقوق الثقافية والاجتماعية، لكن بالتأكيد هناك شباب في هذا البلد يحملون مجموعة من القيم ولديهم طموح ولديهم أيضا فكرة إيجابية عن مستقبل بلادهم وهذا الشيئ غائب في بعض بلدان الجنوب وهو فرصة ولا أريد أن أتحدث بتفاؤلية الشباب الذين حدثوني بتفاؤليتهم بالصراع من أجل التغيير لكن على الأقل يمكن القول إن هؤلاء الشباب يحملون حلما جميلا من حقنا جميعا أن نشجعه وأن نفسح له المجال لأن يتحول إلى واقع.

الأخبار: تعرف موريتانيا وجود نخبة افرانكفونية تفرض صراعا يرفض تجاوز إشكالات الهوية الثقافية كما تعرف وجود بقايا القومية العربية التي تذكي المخاوف لدى الأقليات كيف يحول الموريتانيون المختلف إلى مؤتلف؟

هيثم مناع: علينا أولا : أن نعتبر الاختلاف غنى بمعنى أن اللغة الرسمية والأساسية لهذه البلاد هي اللغة العربية على الإخوان الذين لا يتكلمون اللغة العربية أن يحاولوا التفاعل مع هذه اللغة وأن يدخلوا الفضاء العربي الإسلامي بدون خوف وفي نفس الوقت علينا أن نعتبر كل افرانكفوني طاقة للتواصل مع الغرب وليس عيبا أو عالة على موريتانيا يجب أن نأخذ الجانب الإيجابي في التعدد الثقافي بشكل أو بآخر.

اليوم الحدود الثقافية ضربت هناك ثلاة أطراف فقط في العالم هي التي تطالب بالخصو صية المجتمع العربي الإسلامي بشكل عام والمجتمع الصيني والمجتمع الفرنسي أو الافرانكفوني فنحن يجمعنا مع الافرانكفوني المتفهم لأن هناك غزوا أمريكيا يحاول أن يأكل الجميع وأن العولمة الأمريكية ستكون متوحشة وأحادية وبالتالي ستأكل الأخضر واليابس والكثير من شعرائنا وأدبائنا ومفكرينا سيضيعون تحت أقدام مدرس من مدرسي جامعة من الدرجة الثالثة من الجامعات الأمريكية إذا انتصرت المدرسة الأحادية اليوم للذلك لناخذ هذا الجانب ولنخلق جسرا تفاعليا بين الاثنين من أجل بناء موريتانيا الحديثة موريتانيا المتصلة بالعالم والعميقة الجذور التي تجمع بين الأصالة وبين العالمية.

الأخبار: تراجعت بشكل ملحوظ الدعوات الغربية إلى "دمقرطة العالم العربي" فهل لاحت في الأفق بوادر انتقال ديمقراطي من الداخل؟

مناع :هذه معركة طويلة منذ البدأ المعركة الديمقراطية كانت من الداخل ومنذ البدأ أنا كتبت منذ العام 1972وكنت طالبا بالجامعة يومها كتبت" الديمقراطية لا تأتي إلا من الداخل ومن تحت، وأي ديمقراطية من الخارج أو من فوق حتى من الحاكم ضع بعدها إشارة استفهام؟ إذا لم تكن نقطة خطر وبالتالي نحن نذكر أن الليبرالية الكنوليانية تركت رد فعل قاسيا على كل ما هو حريات سياسية بعد غيابها ولا نريد أن نكرر تجربة الفعل ورد الفعل. اليوم المأساة العراقية علمتنا أن أي تدخل خارجي هو مأساة ومصيبة لدينا قرابة ستة مائة إلى سبع مائة قتيل لدينا أربع ملايين مهجر لدينا ستة وعشرين ألف وسبع مائة معتقل سياسي وإداري وأسير في العراق الرقم الأعلى في البلدان العربية والإسلامية جميعا فهل هذه هي الدمقراطية التي كانوا يريدون.. أن يصدرون لنا جيوشهم باسم الديمقراطية فليذهبوا هم وجيوشهم وقراءتهم الخاصة للديمقراطية لسنا بحاجة لها لدينا تجربتنا لدينا من النخب من يستطيع أن يستنبط ما تحتاجه مجتمعاتنا وما يستجيب لهذه الحاجة وبشكل يضمن الاستمرار.
الأخبار: يؤخذ على مناضلي حقوق الإنسان العرب أنهم يناضلون من "فنادق الغرب" غالبا، وتكتوي الشعوب وحدها بنيران الأنظمة كيف تعلقون؟
هيثم مناع : (ضاحكا) أنا لا أعيش في فندق أنا أعيش في مساكن شعبية والبناية التي أسكنها يسكنها 80% بالمئة من المهاجرين و20% بالمائة من المارتنيك وقوى السوق ويمكن، يسكن بها فرنسي واحد من البيض فهذا الكلام لا يعني الذين أعرفهم على الأقل من مناضلي حقوق الإنسان هو دعاية أو تتحدث عن أشخاص آخرين.
الأخبار: (مقاطعا) نحن نطرح ما يقوله الناس .. الذين يتحدث بعضهم عن أن إقامة مناضلي حقوق الإنسان في الغرب كأنها "رشوة" من الغرب لهؤلاء حتى يوظفوا في خدمة الأجندة الغربية؟
هيثم مناع : لا لا أبدا إقامتنا في الغرب هي وصمة عار للدكتاتوريات التي منعتنا من الإقامة في بلداننا أنا خيرت بين خمسة وعشرين سنة في السجن وخمسة وعشرين سنة في المنفى لم يكن الخيار بين عيادة في دمشق وعيادة في باريس كلنا كنا ضحايا قمع وملاحقة .. وأنا عند أول فرصة أتيحت من خلال قرار صادر من رئيس الجمهورية بإعادة حقوقي ركبت أول طائرة وذهبت إلى دمشق.





الرياضة

شكاوي

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025