تاريخ الإضافة : 22.07.2013 10:56

أمدحُ "كافٍ" حسانيٍّ..

أ.أحمدو بن الإمام ـ مفتش تعليم متقاعد

أ.أحمدو بن الإمام ـ مفتش تعليم متقاعد

ألستم خير من ركب المطايا@و أندى العالمين بطون راح
بيت ذائع من قصيدة مشهورة، مدح بها الشاعر جرير بن عطية بن الخطفى الكلبي، اليربوعي، التميمي: (33- 110هـ) الخليفةَ الأموي عبد الملك بن مروان. و قد ذكر ابن هشام الأنصاري، المصري، في كتابه: (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) أن نقاد الشعر العربي الفصيح اعتبروا هذا البيت أمدح بيت قالته العرب.. وعليه فأن أمدح بيت قالته العرب معروف منذئذ، فهل عرف نقاد شعرنا العربي الحساني أمدح "كاف"، أو"طلعة"، أو "تهيدينة" فيه حتى الآن؟

سؤال كبير، أحسبه ظل يطرح نفسه على كل المهتمين بشأن الأدب الحساني (لَغْنَ).. و في انتظار أن يتفضل أحد فرسان هذا الفن بالجواب؛ أُذَكِّرُ بأن حسم هذا الموضوع تواجهه صعوبات متعددة؛ منها أن الحكم بالفضل لـ"كاف" مدحي، على نظرائه يقتضي حصر تلك النظراء، و نقدها، و مقارنتها، بتجرد وفي ضوء معايير تقويم موضوعية.

و كذلك الحال بالنسبة للشكلين الشعريين الآخرين: "الطلعة" المدحية، و "اتهيدينة". بل إن حصر هذه النصوص المدحية ينبغي أن يصاحبه تصنيف نوعي لمجالات هذا المدح.. فهناك مدح بالكرم، و مدح بالشجاعة، ومدائح بالعلم، و الورع، و الفهم، و العدل.. مما يفتح باب التفاضل داخل العينة الواحدة، إضافة إلى ما بين العينات..

هذا مع العلم أن الشعر الحساني ظل حتى وقت قريب مرويا، لا مكتوبا، و لم يكتب منه حتى الآن إلا أقله، ثم أن مساحة غرض المدح فيه أضعافُ مساحاتِ الأغراض الأخرى مجتمعة.. لأن المدح (اتهيدين) ظل يلعب دور الصحافة "السلطة الرابعة" للممدوحين من الأمراء، و الكرماء، و الفضلاء.. فهو بالنسبة لهم الوسيلة الوحيدة للدعاية الإعلامية على مدار القرون الماضية.. وبذلك ندرك مدى تعذر الإحاطة به، ناهيك عن أمر تشكيل لجان، للجمع، و التحكيم.

وعن عقدة الانطلاق؛ هل تكون البداية بشعر أبي الشعراء الحسانيين: سَدَّومْ ولد انْجَرْتُ؟ أم بشعر أهل هَدَّارْ؟ أو بـ"اتهيدينة اللحن" عند اظْبَاحْ ولد آوْلِيلْ في الشرق؟ أو بنظيراتها لأهل مَانُوْ في الكبلة؟ هل يُبدأ بمدائح أهل الشمال، أم الجنوب، أم الغرب، أم الشرق، أم الوسط؟ ففي جميعها مادحون، وممدوحون..

إذًا- كما قدمت- في انتظار أن يُدلي فرسانُ هذا الفن بِدُلِيهِم، و يُعملُوا حِسَهم، ونَقدَهم، و يُصدرَ فُقهاؤُه فُتياهم، وحُكمَهم.. أضع بين يدي الأصدقاء، القراء، الكرام - للملاحظة- ثلاثة أمثلة في كل منها صورة من صور الإبداع (تجسيم للمعنى، و تكثيف للعبارة، و تأكيد على اتصاف الممدوح بأبلغ صفات الكرم)؛ وهي هذه:

المثال الأول "طلعة" من سلسلة "اطلع" معروفة لأهل هدار تقول:
رَاهْ أصَّ لَعْبادْ اللَّعْبادْ@ما تَعْطِ شِ كُونْ إِلَى رَادْ
الْحَيْ الْقَهَّارْ الْجَوَّادْ@مَعْطَ دُونْ الْقَهَّارْ أخْبَارْ
ذَاكْ أَلَّ ثْرُ شِ رَاسِلْ عَادْ@بيه الرَّبْ الْحَيْ الْقَهَّارْ
أمْعَ عَبدُ غَيرْ أَثْرُ زَادْ@رَسَّـالْ أمْعَ سِيدْ الْمُخْتَار

المثال الثاني "طلعة" أيضا لأهل هدار تقول:
الرِّزْغ ْ أَفْلَصْلْ أَنُّ مَحْدُودْ@مَاهُ مَنْكُوصْ وُ لاَ مَزْيُودْ
ذَاكُوَّ تَقْسِيمْ الْمَعْبُودْ@لِلرَّزْغْ أَكْبَيْلْ أَعْلَ لَعْبادْ
و لَسْبَابْ أَلِّ مَنْهَا مَعْدُودْ@سَتَّ وِيلَ كَانَتْ لَعْدَاد
سَبْعَ فَسْباَبْ الرِّزْغْ إِعُودْ@السَابَعْ وَلْ أَبْنَ الْمَقْدَادْ

المثال الثالث، "كاف" مأخوذ من سلسلة نصوص لا استحضر قائلها. و هو:
واللَّا لُلَالُ مِتْنَ السِّرْ@أَلّْ فَاخْلِيفَتْ مُولْ الْمَدْ
يَبْكَ حَاكمْ بَيْدِيهْ اجْدَرْ@وِيلَ حَكْمُ يَعْطِيهْ الْحَدْ

فالفكرة المركزية في النص الأول هي أن ما يرسله الله تعالى إلى المحتاجين على يدي هذا الممدوح أكثر من ما يرسله على يدي غيره. و هي في النص الثاني أن الممدوح يصلح سببا إضافيا سابعا من أسباب الأرزاق. وأما النص الثالث فهي فيه أن الذي منع الممدوح من أن يُفْقِرَه ُ كرمُه، هو مضمون الآية: {وَ مَا أنْفَقْتُمْ مِن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينْ} سبأ:39. ثم كثف المعنى حين كنى بقوله "يبك حاكم بيديه أجدر" عن غاية الإقلال. لكنه استخدم كلمة "حاكم" لمعنى مالك؛ ليقول إنه حتى إذا كان لا يملك إلا "أجدر" (قطعة خشب زهيدة) فإنه سيعطيها لأول محتاج يلقاه.

و كلها أفكار متماسكة، مشحونة بالدلالات الشعرية.. ففي جميعها جزالة، و كثافة، و ظرافة، و طرافة..

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025