تاريخ الإضافة : 06.07.2013 10:42

قطار الزمن..

الأستاذ/ سيدي محمود ولد الصغير

الأستاذ/ سيدي محمود ولد الصغير

(1)
في دنيانا هذه لا شيءَ يكفُّ عن الرحيل؛ فمنذ القِدم كانَ ذالكَ دأبَ العالم الموَّار. الأفلاكُ مسافرةٌ في أبراجها، والأرضُ تسبَح في مدار ..ولا يفتأ الليل يطلب النهار، والشمسُ والقمر في تعاقبهما الدائب ينقلان العالم من حال إلى حال لتبقى النفوسُ يقظى متحفزةً تطارد أسرار الخلق؛ لا يقطعها الإلفُ ولا يقعُد بها الاعتياد، (وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورا).

(2)
ولسرٍّ مَا ثاوٍ في الهجرة خاضها الأنبياء في الدعوة والبلاغ، ومنهم من رحل في ابتغاء الحكمة وطلب العلم، وذاك موسى كليم اللهمنذ علم بالعبد المعلَّم لم يجدْ قَرارا حتَّى بلغ مجمع البحرين.!

(3)
والرحلة قطع لمسافة المعنى بقدر ما هي قطع المسافة الحس، وتلك هي الرحلة في المكان، أما الرحلة في الزمان فخالصة للمعنى فقط.
ولسنا نقصد رحلة الاضطرار فكلنا رفقةُسفر بقطار الزمن الذي انطلق منذ وقتٍ، وما زال يذرع طريقه الممتد، يقصُر بأناس ويطول بآخرين، لكن لا أحدَ تجاوزَ محطته المقررة منذ بدأت الرحلة، ولم تؤخذْ تذكرة من أحدٍ.
ومن عجبٍ أن لا أحد يسافر –فيه- مرتين، أو يتاح له السفر خارجه! ورغم ذالكَ فلا أحد ينزلُ برغبته، أو يمل الرحلة ولو طالت الأيام، بيدَ أن القطارَ مأمورٌ!.

4))
وليست كذلك رحلةُ الاختيار؛ إذ هي ظعن بلا سيْر، وسفر بلا بَيْنٍ، وقطع لامتداد المكان بلا ضرب في الأرضِ، يهبط فيها عليك الزمان أو تهبط عليه، ثمَّ ترحل في ثناياه فتطلُّ على ما كانَ، تبوحُ لكَ الديارُ وتحدثك الأخبار ويقص عليك راوي الحوادثفتعايشُ عصورا مضت وترافق عظماء كانوا، وتخوض معارك سلفت وتشهد قصص دول كانت ملء سمع الكون ذات يوم، فعادت سطورا في بعض الرقاع.تفهم أسباب ذاك النصر، ومداخل تلك الهزيمة، ودعائم ذاك النهوض، وعوامل ذالك الانحدار.

(5)
وأيامُ الزمان تشبه بعضها وكذا سنين الدهر، لكنَّها بالحوادث النسبية تأخذ أسماء فارقة وألوانا مميزة، وتأخذ أحجامها وطعومها. ورغم اعتبارية هذا الأمر ونسبيته إلا أنه قريب واضح؛ فما هو إلا أن تذكر يوما من الأيام التي مرت مثلا فإذا هو يومٌ غُفل لا يثير في نفسك أيَّ معنى ولا يوحي إليك بفكرة، ثم تذكر يوما آخر فإذا هو يومٌ علمٌ محفور بلونِ الشوق في جدران القلب، ولا فرق بين اليومين غيرُ الأحداث التي تتخذ لها الذاكرة ما يشبه الروابط الإلكترونية التي بات أغلب القراء يتعامل معها، فأحيانا تجد في الرابط ما تريد، وأحيانا تجده لا يعمل أو تمَّ حذفه، وربما وصلتك رسالة تقول: هذا الرابط قد يضر جهازك. وكذا نحن في ذكرياتنا المرتبطة بالزمن والأشخاص.

(6)
قادني إلى الحديث عن الزمن والرحلة فيه الإحساس باقتراب شهر رمضان، حيث تثور في الذاكرة مائة ذكرى وفي النفس ألف حنين.
باتَ الشهر قاب قوسينأو أدنى،(نسأل الله أن يبلغنا-وإياكم- إياه) وهو آتٍ يعيد وهج الإيمان ويجدد نصاعة الفطرة، ويطلق أجنحة التعلق بالسماء، ويشرع باب الفكر، وينصب معارج القبول والازدلاف إلى الله، وسنكون بحاجة لاستنطاق ذاكرته والنهْل من معين معانيه الذي لا يغيض.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا.
وصوما مقبولا-مقدَّما-وكل عام وأنتم بخير .


نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو"

الجاليات

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025