تاريخ الإضافة : 11.01.2012 16:24

تصفية المعهد العالي وافتعال الأعذار الهازلة

عبد الرحمن ولد محمد سهله - طالب بجامعة نواكشوط

عبد الرحمن ولد محمد سهله - طالب بجامعة نواكشوط

من جديد عادت الشرطة السياسية لتواجه نضال طلبة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وزملائهم من مختلف كليات جامعة نواكشوط السلمي لرفض التصفية المبيتة ضد هذه القلعة العلمية الشامخة؛ حيث شنت اليوم وابل غضبها على طلبة ما نُقم منهم إلا أنهم قالوا بملء أفواههم بكل جرأة وشجاعة وتحمل للمسؤولية "لا لغلق المعهد" و"لا لوأد المؤسسة الوحيدة التي تخرج العلماء والفقهاء والقضاة والأساتذة وغيرهم من الأطر الفاعلة في مختلف المجالات الشرعية واللغوية وأخيرا في تخصصات أخرى هامة.

إن عملية غلق المعهد العالي لن تمر بهذه السهولة؛ فالطلاب لن يقبلوا أن تقضي جرة قلم من المدير "المفوَّض" على هذه المؤسسة الضاربة في جذور تعليم العلوم الشرعية واللغوية –ولا نرجو أن يكون ذلك هو المأخوذ عليها حتى تقرر الجهات المعنية إغلاقها- فمن أين لإدارة لا تتقن إلا سياسة دفن الرؤوس في الرمال أن تقدم بكل جرأة -ليست من عادتها ولا هي من أخلاقها فيما مضى على الأقل- على قرار خطير له كل هذه التبعات التي دق الطلاب ناقوس آثارها المتشعبة من أول لحظة، وبينوا لو وجدوا من يسمع أو يعقل أن مؤسسة بحجم المعهد العالي لن يتم إغلاقها إلا بعد أن يوفر لمئات الطلاب الذين كانت توفر لهم التسجيل بديلا معقولا، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة رغم المحاولات المجتزأة والمهدئات المنتهية الصالحية بمقاييس العقلاء وأفهام نخبة كطلبة التعليم العالي.
وكان الأولى بهذه الإدارة الفاشلة بمعايير القيم التي يبثها المعهد أن تقلل من المشاكل التي تواجهها، والتي تراكمت منذ عقود هي عمر المعهد المُكاد له؛ وهذه المشاكل منها ما يتعلق بالمناهج وتحديثها وتبويبها ونزع التكرار منها، بالإضافة إلى ما يتعلق بالأساتذة واكتتابهم على أساس أكاديمي حسب الكفاءات والاحتياجات المطلوبة بعيدا عن الزبوينة للإدارات المتعاقبة على المعهد، وليس انتهاء بالعلاقات المشبوهة التي تربط الحلقة المتنفذة داخل المعهد، والتي ترتبط بها التعيينات والإقالات في مختلف أقسام المعهد وإداراته الداخلية، لكن العزاء في تراكم هذه المشاكل البنيوية أن إدارة المعهد العالي المتجاهلة للصوت الطلابي ليست أوفر حظا من الوزارة التي تتبعها، والتي لم ينفعها أن اعتلاها فقيه يفتي ويفتي لكنه عَيِي عن القيام بما يعنيه فرضَ عين كأقل القليل من التدبير الإداري الذي يسكت عليه العقلاء، وتلك الوزارة ليست أحسن حالا من النظام الذي تحبس أنفاسها في تمجيده تسعى اليوم للتخلص من المعهد العالي بدل النظر في المشاكل التي تعاني منها أهم مؤسسة علمية تتبع لها، لكن الطلاب قرروا جادين الانفصال عن هذه الوزارة الفاشلة والتي نخر فيها الفساد والإفساد ولم يبق منها باقية تستحق أن تحمل تبعية القلعة العلمية الشامخة، وهو مطلب ما لم يتحقق لن يكون المعهد في آمال الطلاب، ولن تكون لشهادته القيمة الأكاديمية المطلوبة، وستبقى مطالب الطلاب في تصاعد مستمر ما لم يتحقق أقلها تكلفة وأبسطها إجرائيا، فعلى من سيواجه المطالب الطلابية العادلة أن يطيل نفسه؛ فلا القمع يرد طلبة في مستوى جامعي واعين بمطالبهم ويعرفون ماذا يريدون، ولا السجن أيضا يفت في عضد مناضلين أوفياء للقضية الطلابية التي تجمعهم.

وما هذه السياسة الأمنية إلا مؤشر أكيد على أن بزوغ فجر تحقق المطالب قريب قريب؛ إذ أن المواجهة المجنونة وسيلة من لم يعد يمتلك في سوق القيم وبورصة الحوار أي أسهم تواري سوءاته التي تبدت للعامة، وأصبحت مثار سخرية الطلاب في إنعاشاتهم خلال وقفاتهم التصعيدية المفتوحة، وجعلوا من تلك التفاهات مادة إبداعاتهم الشعرية وحداءهم النضالي الذي تصدح به حناجرهم، ويستقوون به على توالي الساعات والأيام التي تفصلهم عن نيل المطالب، ويبقى الخاسر الوحيد في هذه السياسة البائدة هو من أطلقها، وما مثل "براقش" التي جنت على أهلها ونفسها منهم ببعيد، إذ يكسب المناضلون من حملات القمع والاختطاف التعسفي، ويزداد إقبال الطلاب على الوقفات والمهرجانات والمسيرات، وتخيب آمال المدير "المفوَّض".

إن هذا الاعتقال الجديد "شنشنة" يعرفها المناضلون من أمن "أخرم" ولن تصد المناضلين الأحرار داخل وخارج السجن عن مطلبهم الرئيس ومبتغاهم الأكبر، فلن يقبلوا التغطية على جريمة تصفية المعهد العالي، ولن يستوعبوا التبريرات المجتزأة بفتح جامعة إسلامية بلعيون، وأنها ستحل محل المعهد العالي، بل إن لا مركزية التعليم العالي مطلب آخر له مكانه المتميز في اهتمام مناضلي القضايا الطلابية، ولن يكون غطاء لتقليص مؤسسات التعليم العالي القليلة أصلا، فمن المسلم به أن المصغر لا يصغر مرة أخرى.

ومن البلاهة بمكان أن يقال بكل بساطة إن فتح مؤسسة جامعية في مدينة بالداخل لا تستوعب سوى مائتي طالب على الأكثر يكفي ويغني عن مؤسسة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، والتي كانت تسجل سنويا مئات الطلبة، ثم تبقى بقية تطالب بالتسجيل ولم تجده، فلا يمكن لسامعي هذه التبريرات العرجاء إلا أن يرددوا المقولة الشهيرة: "... يا نفس جدي إن دهرك هازل" وهو ما تمثله الطلاب بإعلانهم التوقف عن الدراسة بالمعهد العالي تضامنا مع زملائهم الذين لم يفتح لهم التسجيل رغم اقتراب السنة الجامعية من الانتصاف.

المناخ

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025