تاريخ الإضافة : 11.01.2012 10:47

المعهد العالي بين خذلان اللؤماء و صمت العلماء..

بقلم: أماني ولد محمد سيدي

لم يعد خافيا على أحد من ساكنة شنقيط ما يتعرض له حِمَاهُم المبارك من مؤامرات خطيرة تسعى بالأساس لطمس هويتنا الإسلامية العريقة و تشويه تاريخنا، و إهانة كرامتنا و تضييع مكانتنا العلمية و الحضارية التي اشتهرنا بها في مشارق الأرض و مغاربها ك"شناقطة" علماء و نجباء، جابوا بلاد الله طولا و عرضا بهروا العالم باتساع معارفهم، و رصانة كلامهم، و سمو أخلاقهم، فنشروا الدين الحقَّ و ربوا الناس على الخـُـلق القويم و فقهوا القومَ في دينهم..
(نجوبُ بلادَ الله في كـل منكب * نُربِّي مريدا أو نُفقِّهُ مُسلِما).

و تمكـَّـن مسلسل الاستهداف من تحقيق الكثير من أهدافه و الوصول إلى حلقات متقدمة في تنفيذ ما خُطِّطَ له بـِـليل و ما اتُّـفقَ عليه بين أطراف داخل البلاد مع أخرى خارجها..
فبدأوا في أول أمرهم باستهداف اللغة العربية و التقليل من شأنها، بل و تجاهلها في المناهج التربوية بشكل فاضح لدولة يقول دستورها أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، كما قاموا بازدراء و تهميش الحاصلين على الشهادات العليا بالعربية مهما كان تخصصهم و مهما كانت حاجة الدولة إليهم..
ثم واصل مشروع الاستهداف سيره بخطى ثابتة ليصل في إحدى حلقاته إلى توجيه السهام لمادة التربية الإسلامية في كافة المستويات الدراسية، و تجاهل أساتذتها و جعلهم مسخرة للطلاب.. فعاملُ مادة التربية الإسلامية هو الأدنى بين كافة المواد و مع ذلك نحن في الجمهورية "الإسلامية" الموريتانية!

و لم يكن آخر تلك الحلقات ما قيمَ بهِ من وضع العراقيل في وجه طلاب المحاظر الطامحين للمشاركة في امتحانات الباكالوريا، حيث قـُـرِّرَ عليهم القيام بدراسة الرياضيات و الفيزياء من أجل خوض المسابقة الوطنية الأصعب.. و قد تناسى واضعو هذا الشرط أن العلميين من التلاميذ الذين درسوا هذه المواد في كافة المراحل الدراسية(لمدة 12 سنة) لا يستطيعون التجاوز في هذه المسابقة إلا ببالغ المشقة و بذل الجهود الكبيرة فما بالك بطلاب المحاظر الذين لم يدرسوها أصلا! و يفهمُ من هذا العمل الغير أخلاقي في حق طلاب المحاظر الأفاضل، يفهم منه استهدافهم و وضعهم على الهامش بحيث لا يستطيعون المشاركة في الشأن العام..
و تتواصل مشاهدُ الاستهداف الواحد تلوَ الآخر، و المُخطِّطُ الماكرُ يراهن على نجاح مشروعه الخبيث بوجود مجتمع مُخدَّر منقسم على نفسه بين فئات و فئات منقسمة على نفسها بين جهات و جهات منقسمة على نفسها بين قبائل و تجمعات.. مجتمعٌ يتلاعب به الساسة و يتاجرون به و بمستقبله جهارا نهارا..

و اليوم قد دقت ساعة تنفيذ الجزء الأكبر و الأهم من المخطط و ذلك بالقضاء على الصرح العلمي الأكبر و الأعرق في موريتانيا من شرقها إلى غربها و من جنوبها إلى شمالها.. إنه المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية.. المنارة العلمية الشامخة و ينبوع الهدى و الرشاد، الذي تشرأب له أعناق المتعطشين للعلم و بركة العلماء فينهلون منه و إنه و اللهِ نعمَ المعهد المعطاء السخي.. منهُ تخرجَ علماء ربانيون فقهوا الناس في دينهم، و دعاة مُرشدون نشروا الفضيلة و حاربوا الرذيلة، و قضاة عادلون حكموا بالحق بين الناس، و إعلاميون مهنيون عرفوا قدسية مهمتهم.. و غيرهم كثير و كثير ممن برزوا بعد ذلك في المشرق العربي..
و عار على كل موريتاني أن ينسى هذا التاريخ الحافل بالعطاء، المشرق بنور الإسلام الوسطي الحق.. تاريخٌ قال لنا أن ابن عدود و ابن المحبوبي و غيرهما رحمهم الله كانوا يجلسون على الكراسي يستخرجون من بحور العلم الدرر الكامنة، فتطيب الأفئدة و تتزكى الأنفسُ و تُبنى العقول..

و اليوم يستنجد المعهد العالي بكل أبناء الوطن ليردوا له الجميل و ليقفوا سدا منيعا في وجه المخربين المتلاعبين بحضارة و تاريخ و مكانة البلاد العلمية و الثقافية.. و لينقذوه كما أنقذهم الله به زمانا طويلا حيث كان و ما زالَ يُخـرِّجُ لهم رجالا حكماء وقوا البلاد شر الفتنة و ويلات التفرقة، و زرعوا معاني المحبة و الأخوة و الوحدة بين الناس..
و يقف طلاب المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية بقيادة قسم الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، يقفون في وجه هذه المؤامرة الخطيرة التي تهدد مستقبل بلادهم و قبل ذلك تُعتبر إهانة صارخة لمكانته العلمية التاريخية.. و في سبيل هذه القضية المقدسة تعرضوا للقمع و التنكيل و التضييق و السجن، كما سالت دماءهم الزكية فوق ثرى المعهد مدافعين عنه باستبسال قلَّ نظيره، مرددين هتافات الأحرار المناهضة للظلم و الطغيان.. قضيتهم و همهم هو إعادة الاعتبار لمعهدهم و لدوره الريادي.. و إنها و اللهِ وقفةٌ لن ينساها التاريخ و ستُسطرُ بمداد من ذهب في صفحات العزة و الإباء..

خذلان اللؤماء:
و ظلم ذوي القرابة أشد مضاضة * على الفتى من وقع الحسام المهند
غريب أن يكون من بين المتآمرين على المعهد العالي –بل في مقدمتهم- وزير الشؤون "الإسلامية" و التعليم الأصلي الخريج أصلا من هذا الصرح العلمي العظيم.. و يعتبرُ صنيعه بالمعهد تمردا و تنكرا و خذلانا لا يليق به و بمكانته.. و إن التجارب علمتنا أن:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا

غريب أمر هذا الوزير و مدير شؤونه الإسلامية و معهم خلق كثير في وكر الفساد المسمى كذبا و زورا بوزارة الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي.. غريب أمرهم، أما لهم حياء! ألا يتقون الله في دينهم! أم أن الإسلام عندهم يتلخص في شيء واحد أحكام الحيض و النفاس..
و إنها وقفة من وقفات الخيانة و الخذلان التي تكررت على مر التاريخ من أناس لا مبادئ لهم (في الغالب) و لكن الغريب أن تأتي من فقيه كان الأجدر به أن يكون في موقف الدفاع عن الإسلام رافعا شعار الأوفياء التاريخي :"بئس حامل القرآن أنا إن أوتي الإسلام من قبلي"..
و إن كان الأمر خارج عن قدرته كما يدعي، فالاستقالة تحفظ ماء الوجه إن كان بقي منه شيء أصلا.. فبقاؤك في منصبك كالمتفرج تعتبر مشاركة فعالة في المخطط الإستئصالي.. و بما أنك كبير القوم و وزيرهم ف"اسمعي يا جارة".. و تذكروا جيدا أن التاريخ لا ينسى..

صمت العلماء:
إن كان مستغربا خذلان المعهد من قبل بعض أهل العلم، فإن من المستغرب أيضا صمت بقية العلماء العاملين و هم أقدر الناس على تغيير هذا المنكر البـَـيِّـن و وضع الرأي العام في الصورة الحقيقية لما يحاك من مؤامرات خطيرة تستهدف قيم و ثوابت مجتمعنا المسلم المسالم.. فالطلاب ينتظرون منهم تحركات عملية و عاجلة!
فليقودوا مبادرات للدفاع عن صرحنا العلمي الشامخ و لا يتركوا طلاب العلم في ميدان الدفاع لوحدهم و هم يواجهون قرارا يتحدث اللغة الأمنية الخشنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى (ضرب الطلاب و سجنهم، و الاعتداء على الطالبات جهارا نهارا، و إمطارهم بمسيلات الدموع الخطيرة!).
و كما أنه على أئمة المساجد و الأساتذة في الجامعة و الثانويات الوقوف في وجه هذا الجرم الخطير، و كذلك النواب و الشيوخ و السياسيين و الحقوقيين ، و كافة هيئات المجتمع المدني الحر، و رجال الأعمال و التجار و التلاميذ و موظفي القطاع العام و الخاص.. فليقفوا وقفة رجل واحد.. وقفة للتاريخ و للوطن، مرددين كلمة واحدة "لا لإغلاق المعهد العالي!"

و كما أنه على مر الزمان وقف رجالٌ أحرار مع القضايا العادلة و كانت لهم مواقف مشرفة اعتبرها التاريخ تيجانا على رؤوسهم و أوسمة على صدورهم، فإن التاريخ لن ينسى الوقفة المشرفة لأولئك الذين رفعوا أصواتهم رفضا لهذه الجريمة و وقوفا مع هذه القضية الوطنية الهامة.. سواء كانوا حقوقيين أو إعلاميين، أو غيرهم.. فلهم كل التحية و التقدير و الاحترام..

و أخيرا، مهما يكن من أمر و من تواطؤ و مكر بالليل و النهار، فالله حافظ دينه و مُتـمٌ أمره مهما كانت مع الظلم و المكر من قوة..
" وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"..

الجاليات

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025