تاريخ الإضافة : 07.01.2012 19:51

ثورة الفقهاء في مورتانيا

بقلم  أبو إسحاق الدويري

بقلم أبو إسحاق الدويري

خلال الأسابيع الماضية كنت مستجمع الحواس، مركز القوى،علي أسمع خبرا عن حلم ظل يراودني طَوال الأشهر المنصرمة ، وهو مجرد حلم - ولم يبق لنا معاشر التائهين في بلاد السيبة بين جور الحكام وتسويغ الفقهاء- حفظهم الله- إلا الأحلام- كان حلمي وأنا أرى الشعوب في الشرق والغرب تتصالح مع ذواتها، وتنفض عنها عار السنين، وتسعى لأخذ زمامها بيدها، أن يقوم علماؤنا الأبرار أجمعون أكتعون –مد الله في أعمارهم- ونحن أحوج ما نكون إليهم، إذ العام عام قحط وجدب-، أن يأخذوا على يد أمير بلاد الملثمين فيرد المظالم وينصف آل البيت(مولاي العربي)، ويرغموا الأغنياء على دفع فضول أموالهم للفقراء قبل أن يقضي عليهم رئيسهم ، فقد علمونا أن جور الحكام ومنع الزكاة من أسباب حبس المطر، لكن فقهاءنا –متع الله بهم- ذهبوا مذهبين فمنهم من كان مع جمهور الأمة من فطاحلة الكنانة، وعباقرة القيروان، وعلماء طرابلس الغرب، وأساطين فاس –حرسها الله- ممن رأى تجديد دين الأمة بإراحتها من الأنظمة والنظم المنتهية الصلاحية، يتقدمهم فخر المغرب الأقصى وعلامة ما بين المشرقين حافظ العصر بلا نزاع الشيخ الددوي -متع الله به في صحة وعافية- وهم الأكثر لا شك في بلاد المرابطين، وقد اختار بعضهم قولا لم تعد به الفتوى، فقد كان بين استشهاد الحسين رضي الله عنه، وموت البوعزيزي رحمه الله ما علم الأمة أن الوهم لا تبنى عليه الأحكام، وأن التغاضي عن المستبدين لا يزيدهم إلا طغيانا، وأنه آن لفئام من الناس أن تتوق إلى منزلة سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه،ومن هؤلاء العلامة الجليل عالم الأدباء وأديب العلماء الفقيه حمدا ولد اتاه، فما زال يرى أن الخروج على الظالمين والجائرين من منهج الخوارج،- وقد كفانا جزاه الله خيرا، تحقيق مناط ظلم أمير بلاد الملثمين، فسكوته عنه وكلامه عن الخروج على الفسقة والظالمين، من عالم أديب خَبَرَ السياسة ومناهج الجدل إقرار بظلمه- ولم يبق إلا أن نقول للشيخ حمدا أن نسبة هذا القول إلى الخوارج فقط، ليس أدبا مع سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع الفقهاء الذين ثاروا مع ابن الأشعث، ولا مع الإمام الأعظم وليس تقديرا لإمام دار الهجرة، ولا للسادة الأشاعرة، وليس احتراما للصوفة الهداة، فقد كان الأجدر بشيخنا حمدا –حفظه الله- وهو الخطيب المصقع- أن يكون في ساحة ابلوكات مرددا مع عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه خطيب ثورة الفقهاء قوله: يا معشر القراء، إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إني سمعت عليا- رفع الله درجته في الصالحين، وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصديقين- يقول يوم لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون، إنه من رأى عدوانا يعمل به، ومنكرا يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، ونور في قلبه اليقين فقاتلوا هؤلاء المحلين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحق فلا يعرفونه، وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه"(تاريخ الطبري ج6/ 357)، ولا أعتقد أني محتاج لتذكير الشيخ بقول الجصاص في شأن خروج أبي حنيفة مع زيد بن علي ونصرته له بالمال:"وقضيته في أَمر زيد بن علي مشهورة وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سراً في وجوب نصرته والقتَال معه " أحكام القرآن للحصاص، 1/ 87. وقد أفتى الإمام مالك - رحمه الله - للناس بمبايعة محمد بن عبدالله بن حسن عندما خلــع الخليفة المنصور ، حتى قال الناس لمالك: " في أعناقنا بيعة للمنصور ، قال : إنما كنتم مكرهين، وليس لمكره بيعة فبايع الناس محمد بن عبدالله بن حسن عملا بفتوى الإمام مالك"، البداية والنهاية ج10/ 90. وأما الشافعي فقد ذكر التفتزاني عنه في شرحه للعقائد النسفية: أن الإمام ينعزل بالفسق والجور، وكذا كل قاض وأمير" شرح العقائد النسفية ص145. وقد ذكر صاحب طبقات الحنابلة عن الأمام أحمد في رواية:" من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا" طبقات الحنابلة 2 \ 305 ، وقد قال المادوردي:" وَاَلَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ.
وَالثَّانِي: نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ، فَأَمَّا الْجَرْحُ فِي عَدَالَتِهِ وَهُوَ الْفِسْقُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا تَابَعَ فِيهِ الشَّهْوَةَ.
وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِشُبْهَةٍ،" الأحكام السلطانية ص 42.
وأود أن أسأل السادة الفقهاء هل رضا فخامته عن إسلام الروافص واعتباره نموذجا يحتذى من هذا القبيل أم لا؟ وهل دعوته إلى هذا المذهب تعتبر دعوة إلى بدعة يترتب عليها ما يترتب عليها؟
أما السادة الأشاعرة رحمة الله عليهم وقال الرازي: أَنَّهُمْ - اي الظالمين-غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ مُقْتَدًى بِهِمْ فِيهَا فَلَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً فِي الدِّينِ، فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ بُطْلَانُ إِمَامَةِ الْفَاسِقِ،مقاتيح الغيب، 4/39. وقال ابن حزم :" فَهُوَ الإِمَام الْوَاجِب طَاعَته مِمَّا قادنا بِكِتَاب الله تَعَالَى وبسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أَمر الْكتاب باتباعها فَإِن زاغ عَن شَيْء مِنْهُمَا منع من ذَلِك وأقيم الْحَد وَالْحق فَإِن لم يُؤثر أَذَاهُ إِلَّا بخلعه خلع وَولي غَيره" الفصل في الملل والنحل، 4/ 84.
أما الصوفة الهداة فقد قال الغزالي في الإحياء:" وإنما النظر في السلاطين الظلمة في شيئين أحدهما أن السلطان الظالم عليه أن يكف عن ولايته وهو إما معزول أو واجب العزل فكيف يجوز أن يأخذ من يده وهو على التحقيق ليس بسلطان" إحياء علوم الدين، 2/ 140.
فهذه النقول المتقدمة تفيد أن الخروج على الطغاة والمستبدين وخلعهم إذا خانوا العهود، ليس مذهب الخوارج، بل هو مذاهب الفقهاء الأحرار في كل عصر، وذلك الإجماع الذي انبني خوف الفتنة قد زال بعد وعي الشعوب، وحرصها على سلمية ثوراتها، ومن ثم فالكلام عن الحرب، إنما هو تسويغ للظالمين في إبادة شعوبهم، وخذلان للشعوب المقهورة في مطالبها المشروعة، وحقوقها المسلوبة، ثم لتعلم أخي القارئ أن التاريخ قد شهد ثورات عدة للفقهاء غير ثورة ابن الأشعث، فقد قاد راوية يحي بن يحي الليثي المالكي الأندلسي وفقهاء عصره ثورة الربض، فقد ذكر النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب أنه:" اجتمع فى الرّبض أربعة آلاف فقيه وطالب! وكان ممّن خرج عليه يحيى بن يحيى الليثى"،نهاية الأرب 23 / 372 ،
ورغم كلام شيخنا حمدا المتجدد تجدد الانقلابات العسكرية في بلدي ، فإني لا أزال أحلم أن أرى تلك الثورة السلمية الهادرة التي يقودها الفقهاء، يكون الشيخ حمدا نفسه خطيبها في المذرذرة، والإمام أحمدو ولد المرابط يؤصلها كل جمعة في منبره الموقر، والعلامة عبد الله بن الصديق خطيبها في العصابة بالتناوب مع الأستاذ الفاضل محمد ولد سيدي يحي، و العلامة ابن بية خطيبها في الحوضين بالتناوب مع فخر العلماء محمد المختار ولد انباله، وشيخنا المرابط الشيخ الأكبر اباه ولد عبد الله خطيبها في منطقة العقل وما جاورها، وشيوخ محظرة المالكية ( تنجغماجك) يعلمون الناس ورع النضال في منطقة الركيز، وشيخنا الشيخ محمد الحسن (حشَّن) ولد أحمد الخديم وأبناؤه البررة أساتذتي يقودون الجماهير في منطقتى روصو تكنت بالتنسيق المحكم مع الشيخ القاضي ولد بدي والشيخ المختار ولد بوبه ، والشاعر الفقيه بون عمر لي والخطيب المفوه الحاج محمود با والإمام المحترم عبد اللله با، والداعية المؤثر عبد العزيز سي في منظقة النهر يعيدون أمجاد أسلافهم التالدة في التضحية والصبر والعزة والعض على الدين بالنواجذ ، والفقيه ابن النيني وآل عبد الودود يحدثون أهل إنشيري وتيرس الزمور بقصة مالك مع بني العباس، وآل اجودة بانواذيبو ينظمون الجموع المنتفضة، - وقد كانوا سباقين- والشيخ النووي ينشر هدي السلف الثوري في أبي تلميت، وآل عدود في منظقة وادي الناقة نزهو بهم المنابر الثورية، والشيخ أحمد فال ولد أحمدنا مع أهل اتويميرت في تجانت الشامخة بؤدبون الطغيان بصمودهم، وفي عاصمتنا الحبيبة يقود جماهير الغضب زين المحافل وبدر المنابر الشيخ الددو، ومعه العارف بالله العلامة الطبيب محنض بابه ولد امين ينظم الفرق الطبية المتطوعة لمعالجة المصابين،
وأعتقد أن هذا الحلم لا يتنافى مع رؤية أمير بلاد الملثمين الذي أشاد بالنموذج الإيراني، فهو كما يعلم الفقهاء مبني على ولاية الفقيه، إلا أن ذلك لا يصلح لنا معاشر الشناقطة ما لم ينزل حكم من السماء بنسخ قول ابن عاشر – نور الله ضريحه-
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025