تاريخ الإضافة : 01.01.2012 13:20

وطن يعانى ... نزيف كرامةّ

بقلم: التراد ولد يحي

بقلم: التراد ولد يحي

مرة أخرى أجد نفسي مترددا في الكتابة ، فتأبى أناملي أن تطاوع القلم رغم إلحاحه أحيانا ، بل وتوسله أحيانا أخرى ، ربما لأنها تعودت على تمرده فأصبحت تخاف أن تطاوعه أو تجاريه في بوحه ، أو ربما رغبة من تلك الأنامل في أن تجارى هي تصرفات كل المحيطين بها ممن عشقوا فن التمرد ، وضربوا عرض الحائط بكل قيم الأخلاق والفضيلة .

أعترف أنني تعبت كثيرا في البحث عن تفسير مقنع لتمرد تلك الأنامل قبل أن أجبرها على مجاراة حبري في بوحه ، حتى وأنا على يقين أن بوحه هذه المرة سيتحول إلى نزيف ، وأن تمرده ربما سيتجاوز كل تلك الخطوط الحمراء التي كثيرا ما وضعها الضمير في طريقه ، ذاك الضمير الذي أثخنته جراح طعنات متتالية أصابته في الصميم ، فأرغمته على أن يبوح كفرا بكل المبادئ التي تمت للمواطنة بصلة ، وأجبرته على أن يعيد ترتيب مفردات قاموس القيم عنده بعد أن يزيل منها كل ماله علاقة بالاعتزاز بالنفس أو المفاخرة بالوطن .

لن أستطرد كثيرا في الحديث عن نزيف المشاعر أو وخز الضمير ، فقد يكون من الأجدى أن أحاول تبرئة نفسي أمام أولئك الأحرار من أبناء الوطن الذين ألقت بهم أمواج الظلم العاتية التي تجتاح الوطن الحبيب إلى المنفي ، ووجدوا أنفسهم بين مطرقة شعور بالغربة لا يقهر وسندان هدر كرامة وكسر خواطر لا يجبر ، فلقد استوعب الطلاب الموريتانيون الوافدون إلى المغرب دروسا كثيرة من الإهانة و التهميش ، ربما لأن السفارة الموريتانية حرصت على إعطاء دروس مكثفة ومجانية في قلة الاحترام وبذاءة التعبير ورذالة الاستقبال و استحقار الضيف ، أو ربما لأن إيمان أولئك الطلاب برسالتهم الخالدة واستعدادهم للتضحية في سبيل الوصول إلى هدفهم النبيل جعلهم يتقبلون كل تلك الإهانات حتى وإن كان ذالك على مضض ، ويحشروا كل مثبطي الهمم والعزائم في الزاوية .

لا أستطيع أن أنكر ـ وأنا من أتيحت له فرصة معايشة أولئك الطلبة ـ أنى دهشت بارتفاع منسوب الصبر والتحمل عند كل الطلبة الموريتانيين الجدد ، فقد واصلوا الليل بالنهار وجابوا المغرب طولا وعرضا ، فناموا في المحطات ورابطوا في الجامعات ، حتى أقنعوا محاوريهم وأدهشوا رؤساء وحداتهم وحصلوا بكل جدارة واستحقاق على موافقات من مختلف الجامعات المغربية من أجل إكمال دراستهم، تلك الدراسة التي ضن عليهم وطنهم بها ووضع مسئولوه كل العراقيل في طريقها ، مما جعل أولئك الأحرار يشفقون على وطن قدر له أن لا يتحكم فيه إلا أجهل بنيه ممن مردو على الخيانة وتعودوا رذالة الفعل وبذاءة القول ، وجبلوا على سرقة الحقوق وكبت الأنفاس والسطو على الحرمات ، وتفننوا في الإساءة إلى الأهل وتدنيس الشرف و الدوس على الكرامة .

قد أكون مضطرا إلى الاعتراف بأني شعرت بإهانة لا توصف وأنا أودع طلابا أعزاء قرروا في لحظة يأس أن يعودا إلى الوطن ولم أتحمل نظرات عيونهم التي تشي بشعور بالقهر، وإحساس بالمذلة وتجرع للإهانة ، فتألمت وبكيت ليس لأن رحلة الأمل عند أولئك الأحبة قد انتهت قبل أن تبدأ ، لكن إشفاقا على وطن يسير إلى الهاوية بعد أن تحكم فيه عربيد متهور مجنون ، تحيط به عصابة من اللصوص امتهنوا تجارة الشرف واستعذبوا دفع ثمن تلك التجارة من ماء وجوههم.

فلكل الطلاب الموريتانيين العالقين بالمغرب أطأطئ رأسي احتراما لصبرهم واعترافا بالتقصير في حقهم ، لكن حذار من الاعتقاد بأن المسألة تتعلق بخيبة أمل لطلاب باحثين عن التسجيل فقط ، فقد كشفت هذه الأزمة لكل من عايشها وتابع تفاصيلها أن الحديث عنها سيتحول إلى نزيف مشاعر من طلاب كرامة .
فهل من مجيب لنداء وطن يعانى من نزيف الكرامة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الجاليات

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025