تاريخ الإضافة : 25.12.2011 00:16

المراهقة المتأخرة لسيادة الرئيس

الشيخ أحمد ولد البان

الشيخ أحمد ولد البان

1
حينما قال نيكولو ميكافيلي إن "أول طرق تقدير ذكاء الحاكم أن تنظر لمن يحيطون به" لم يكن يعرف أنه يوفر جهدا عقليا وتحليليا لساكنة المنكب البرزخي المبتلون بالضراء منذ نجم قرن "دولة الجنرال" منذرا بسني يوسف وليس مبشرا بعام "فيه يغاث الناس وفيه يعصرون"، وتلك نعمة يمنها علينا معاشر الموريتانيين عميد الفكر اللائكي "ويأتيك بالأخبار من لم تزود".

ذلك أن أولى الناس بنجل عبد العزير الذين اتخذهم جلساءه وسدنة حكمه، فهم يعرفون به وهو يعرف بهم، أوليس قد افترهم عن ذكاء وفتشهم عن تجربة ـ كما قال الحجاج ـ فوجدهم نعم الماعون على ما أراد؟، ولولا أنهم كانوا من المسبحين للبثوا في غمار الناس إلى يوم يترك "عزيز" كرسي القصر الرمادي شأن من نعموا بلينه ونعومته حينا من الدهر.

إن أشد الناس بلاء ـ والشعب كله مبتلى ـ في زمن "الجنرال" وحكومته هم أصحاب العقول وأرباب التحليل السياسي، ذلك أن كل تصرفات "عزيز" بالرئاسة ـ حتى لا أقول بالإمامة ـ تسير خارج التوقع المنطقي، تماما كما تتطور الخلايا السرطانية خارج النظام الطبيعي للجسم فيعجز الكشف العادي والدواء الطبيعي عن معرفتها وعلاجها، إنه "يكسر أفق توقع المتلقي" كما يقول سادة النقد الأدبي، لكنه ـ للأسف ـ يكسره بـ"منتج رديء".
يقول مصطفى صادق الرافعي في كتابه كلمة وكليمة (في السياسة والحب، لا يبدأ الإثم إلا كالفلتة، ولكن متى وقع الشاذ في السياسة والحب صار هو القاعدة)، ترى هل نحن معاشر الموريتانيين مأخوذون بشؤم أول فلتة آثمة أوصلت العسكر إلى قمة السلطة؟ وأردفت بابن عبد العزيز.. ربما!.

2
يخيل إلي أحيانا وأنا أفكر في بعض الرزايا/القرارات التي يتخذها هذا الرجل أن روح المراهقة غير الموجهة ما تزال تصاحبه، فهو يعتاد بعض الحلول/الألعاب برهة من الوقت فيطبقها على كل شيء بدون روية ولا تعقل، طفت على مخياله ذات يوم فكرة الحوانيت فحول الدولة كلها إلى حوانيت "تضامن"، حظ البائس والمعتر منها أن يعترف بفقره لغير الله وأن يدفع جاره بالراحتين والصدر كي يحصل بعد أين على سمكة "ياي بوي" أو حفنة من "أرز" بذل في سبيل الحصول إليها ماء وجهه ونضارة جسمة في هجير الحر وزمهرير القر.

أفهم أن تكون حوانيت "التضامن" مشروعا خيريا لرجل أعمال أو لمؤسسة إغاثة لكن أن تتحول إلى خطة دولة وقرار رئيس، لعمري إن ذلك لمنتهى السخف السياسي.

خيل للرئيس في مرحلة لاحقة أن الدولة كلها ملكه الذي ورثه فرضا عن والد أو كلالة عن أخ شقيق، فحول وزاراتها ومؤسساتها العامة إلى سلسلة حوانيت تحمل شارة مالك واحد هو "عزيز"، اصطفى لنفسه أدرها ضروعا وأمدها خواصر فتولى الصفق فيه بنفسه وولى أقاربه بعضا منها وجعل منهم نظراء على بقية الوزارات والمؤسسات.


أذكر أن وزيرا معروفا قال ـ وهو خائف يترقب ـ معتذرا عن فساده بقوله إن أمينا عاما لوزارته مقربا من الرئيس هو من يمسك بتلابيب الأمر والنهي في وزارته وأنه يقبض يده بالمال بخلا أن يصرف في مشروع نافع ويبسطها متصرفا في مال الوزارة يفعل به هكذا وهكذا بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله في وجوه الشبهات والشهوات، ما أشأمك أيها الوزير يفسد غيرك وتذم أنت، لغيرك قارها (أي باردها بمعنى منفعتها وراحتها) ولك حارها (أي ما اشتدت حرارته بمعنى الضر والمحاسبة) كما قال الحسن بن علي، وإنه لمن موبقات الفساد في زمن الجنرال أن يسر رئيس وزراء لخاصته أنه لديه مناصب شاغرة في إدارته لكنه لا يريد عرضها على مجلس الوزراء خشية أن يأمره الرئيس أن يشغلها بأقاربه ومقربيه.

سيدي الرئيس.. لو تدرجت في إيثار الأقربين بالمناصب وكبحت جماح نفسك أن يغريها بريق "الذهب" في جوف البر وتزحلق "السمك" لمدة عاما أو عامين.

أ شوقا ولما يمض لي غير ليلة *** فكيف إذا خب المطي بنا عشرا

فكيف بنا إذا حكمتنا ـ لا قدر الله ـ ثلاث سنين قابلة؟.

3
بعد حين قفزت إلى الذهن المراهق للجنرال مغامرات "أبو الحروف" وفتكات "النمر المقنع" فأقسم بنفسه أن يغرس السيف في جبهة الصحراء التي انتفخ سحره خوفا من ركوب أهوالها واعتساف مجاهلها أيام أثخنت القاعدة قتلا في حامية "لمغيطي" العزلاء ـ رحم الله شهداءها ـ، فأراد ـ اليوم لا أمس ـ أن يأخذ الثأر دون أن يباشر الطعان و"أن يجز ناصية" بلعور من غير أن يشتم غبار بنادق مسلحيه، وتلك حكمة سيئة يلجأ إليها الجبناء من الساسة والقادة (أن أتبنَّى المجد الذي لم أبْنِه).

الذي لم يعرفه الشعب والساسة وهم يجأرون في وجه "الجنرال" أن لا يهاجم "القاعدة" خارج حوزة الوطن وأن لا يقذف بجنود أبرياء إلى صحراء لا يهتدى بمنارها في مواجهة عصابات تحامتها الحكومات المجاورة مخافةً (مالي ـ الجزائر ـ المغرب)، الذي لم يعرفه الجميع حينها أن سيادة الجنرال كان مدفوعا بروحه المراهقة ظنا منه ـ كأي مراهق نزق ـ أن تراجعه يعني عدم اكتماله رجلا لا غير، أعتقد ـ ولو لجأت إلى اليمين ما حنثت ـ أنه لم يبدأ التفكير في التخطيط ـ إن كان بدأ ـ لتلك الحرب الخاسرة إلا بعد أن قفلت الكتائب من معركة "راص الماء" مخلفة وراءها نيفا وعشرة من الشهداء وبضعا من السيارات.

سيد الأدلة على غياب أي تخطيط حقيقي لمواجهة خطر القاعدة هو خطف الجندي البريء اعل بن المختار من عدل بكرو، أي منطق يمكن أن نفهم به أضغاث الخبر الفاجع، منطقة شبه حدودية، تعتبر هي وما حولها مسرح عناصر القاعدة وعملائها حيث يجلبون الميرة ويتحسسون الأخبار، أيفهم أن تسير ضحى في شوارعها سيارة تهتف باسم القاعدة وتبشر بمشروعها وتختم فعالياتها بخطف جندي وسلب معدات نقطة عسكرية؟ ..أين أجهزة الأمن وحماية الحوزة الترابية.. إنها لشنشنة أعرفها من أخزم..

أما الحديث عن نجاء خاطفي الأسبان وبعض منفذي عملية الرياض وغيرهم وغيرهم فذلك فصل مخجل في تاريخ فشل المخابرات الموريتانية.

4
دعني من مفردات قرارات تبدو أكثر مراهقة وأقل رشدا منها على سبيل المعلن التدخل لمنع شخصيات موريتانية (ولد بلال ـ ولد باب مين ـ أحمد وبن عبد الله) خولتها سمعتها وعلاقاتها تقلد مناصب منحت لها من قبل مؤسسات دولية لا لشيء سوى أن مواقفهم السياسية لا تلائم مزاج كبير (....) في لغة (كليبات الأحياء الشعبية).

رحم الله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقد كان خبيرا بقيم الشهامة والحلم الرفيع الذي يلزم الحاكم تمثله، إنه لما عاتب الأحنف بن قيس على هفوات منه فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين لم ترد الأمور على أعقابها؟.
لئن شئت لنستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك.
قال: إني أفعل.
هل يستطيع نجل عبد العزيز أن يستصفي كدر قلوبنا بصفو حلمه؟، بل ما ينبغي لهم وما يستطيعون.
سيدي الرئيس.. أحس بالقرف حين أتحدث عنك.. سأوقف الكتابة.

الرياضة

الثقافة والفن

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025