تاريخ الإضافة : 11.12.2011 10:59

العمل المصرفي الإسلامي.. المميزات والتحديات

عبد الرحمن بن موسى ولد الشيخ سيديا
باحث في الاقتصاد والمالية الإسلامية
bencheikhsidiya@gmail.com


شهد العمل المصرفي الإسلامي خلال العقدين الماضيين تقدما كبيرا، وسجل حضورا لافتا، وأثبت أنه كأسلوب من أساليب الوساطة المالية يتميز بالجدوى والكفاءة والقدرة الحقيقية على المنافسة وتقديم البدائل المصرفية المقنعة.

ومن أبرز ما يعكس نجاح العمل المصرفي الإسلامي قيام كثير من البنوك التجارية التقليدية بتزويد عملائها بخدمات مالية إسلامية، وقد بلغ عدد العمليات التي مولت من خلال الأساليب المصرفية الإسلامية بواسطة بنوك إسلامية وتقليدية مقدارا هاما وبسرعة قياسية، وقد أوردت الفاينانشيال تايمز في عام خمسة وتسعين وتسعمئة وألف "أن صناعة البنوك الإسلامية تمتلك ودائع تتراوح ما بين خمسين إلى ثمانين بليون دولار، ويتوقع الخبراء أن يتضاعف هذا العدد مع انصرام العقد الثاني من هذا القرن"، وهو التوقع الذي تحول بالفعل إلى واقع، حيث بلغ حجم الأموال التي تديرها المصارف الإسلامية ما يزيد على أربعمئة مليار دولار موزعة على مئتين وسبعين مؤسسة مالية إسلامية.

إن قيام كثير من المصارف التقليدية ومن بينها مصارف غربية رئيسة متعددة الجنسيات بتجربة استخدام أساليب العمل المصرفي الإسلامي، ومنها على سبيل المثال:"تشيس مانهاتن" و "سيتي بنك" و" إي بي سي إنترناشيونال" و" يونيفيرسيتي "وغيرها، يعتبر أمرا مشجعا، وإن كان لا يخلو من امتحان صعب لمدى جاهزية المصارف الإسلامية لمنافسة قد لا تبدو متكافئة، إذ البنوك التقليدية الغربية تتفوق بكثير على المصارف الإسلامية من حيث خبرتها العملية الطويلة في السوق، وكذا من حيث أنظمتها وإجراءاتها وأساليبها لتحديث المنتجات واستراتيجياتها التسويقية والتنويع في المحافظ، بيد أن للمصارف الإسلامية من نقاط القوة ما لو اتكأت عليه وعملت على تعميقه وتطويره لكان كفيلا بتمكينها من الحفاظ على نصيب معقول في السوق، فهي تتوفر على مجالس شرعية تستعرض دوريا عملياتها وعقودها المالية للإفتاء بموافقتها للأحكام الشرعية، و هو ما تفتقر إليه البنوك الغربية في معظم الأحوال، يضاف إلى ذلك تميز منتجات البنوك الإسلامية بممارسة المشاركة الحقيقية في مخاطرة الربح والخسارة، وهو ما ينأى بها عن التلوث بالربا أو الغرر، ويمكنها من ضمان حيازة رضا المستثمرين ولاسيما المتدينين منهم، ويهيئها للحفاظ على تفوقها في الأسواق، خاصة إن هي استطاعت تنويع صيغ العوائد وتكثيفها، والارتقاء بمنتجاتها وخدماتها وتحقيق مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي، من أجل مواكبة التطور المذهل المتزايد.

وبالرغم من أن العمل المصرفي الإسلامي لا يزال في مراحل تطوره الباكرة، فقد حقق خلال الثلاثين سنة الماضية تقدما كبيرا وأحرز نجاحات باهرة، جعلت كثيرا من الباحثين الماليين يتساءلون عن السر أو العامل وراء تحقيق كل ذلك الصمود والارتقاء، والحقيقة هي أن مجموعة من الملامح المميزة تنفرد بها المصرفية الإسلامية كانت السبب الحقيقي والفعلي لتبوئها تلك المكانة المتصدرة في وقت قياسي، وفي زحمة منافسة رأسمالية شرسة، وأهم تلك المميزات:

1. المشاركة في المجازفة: في العمل المصرفي الإسلامي يتقاسم المستثمر والمتعهد نتائج المشروع، فيتحمل المستثمر في حالة الخسارة جميع الخسارة المالية، بينما بفقد المتعهد جهده، وهذا بخلاف المصارف التقليدية حيث يتحمل المتعهد المجازفة وحده، بينما يحصل رب المال على عائد محدد سلفا سواء نجح المشروع وجاء بربح، أو فشل وأسفر عن خسارة، وفي ذلك من الغبن والغرر والظلم ما هو واضح بين.

2. التركيز على الإنتاجية: يرتبط التمويل في البنوك الإسلامية بسلعة أو أصل من الأصول، وهو ما يضمن دخول التمويل في العملية الإنتاجية، ويقلل من فرص تبديد الأموال أو المضاربة عليها، وفي هذه الحالة ينصب اهتمام البنك على سلامة المشروع والقدرة التجارية والإدارية للمتعهد، ولهذه الصفة انعكاسات مهمة في توزيع القروض واستقرار النظام، خلافا للبنوك التقليدية التي لا يهمها إلا تحصيل القروض والفوائد في الوقت المحدد.

3. البعد الأخلاقي: لا تولي البنوك التقليدية أي اهتمام للانعكاسات الأخلاقية للنشاطات التي تمولها، فهي لا يعنيها ـ مثلا ـ أن يكون النشاط الذي يسعى المتعهد إلى الاستثمار فيه مصنعا للخمور أو مركزا للقمار أو ملهى ليليا، مادام سيرجع عليها بالربح والفائدة في الآجال المحددة، أما البنوك الإسلامية فمعنية بنظام القيم الأخلاقية الإسلامية، لذا فهي لا توافق على تمويل أي نشاط يحرمه الإسلام، أو يعرف عنه جلب ضرر للأفراد أو للمجتمع ككل.

إن تلك المزايا وغيرها مما تنفرد به المصرفية الإسلامية هي مكمن جدواها وقدرتها على فرض وجودها كنموذج بديل قوي قادر على التأثير والاستقطاب، ولا بد لكي تحافظ الصيرفة الإسلامية على ما حققته من مكتسبات، وتضمن مزيدا من الجدوى على المدى الطويل أن تركز على معالجة سيل المشكلات والانتقادات الموجهة إليها، التي وإن كان البعض منها ناتجا عن المناخ الصعب الذي تعمل فيه هذه البنوك، فإن كثيرا منها ناجم عن أخطاء في ممارسات البنوك الإسلامية نفسها، ومن أبرز تلك المشكلات العائدة إلى الممارسة ـ مع تركيزنا على تقديم الحلول والمقترحات المخلصة منها ـ مايلي:

1. ضعف الإطار التنظيمي: فالمصارف الإسلامية كغيرها من المصارف يلزمها لتطوير خدماتها وتنويع محافظها وضمان قدرتها التنافسية في السوق وجود إطار مؤسسي تنظيمي يشمل أسواقا للأوراق المالية، و أخرى للاستثمار، ومؤسسات الأسهم كصناديق الإدخار و شركات التأمين وصناديق التقاعد والصناديق المشتركة، كما يلزمها ـ أيضا ـ للوصول إلى قدر أكبر من المساهمة تشجيع المؤسسات التجارية على زيادة اعتمادها على الأسهم وتقليل اعتمادها على الديون، ولتحقيق ذلك يلزم إنشاء المزيد من مؤسسات المساهمة، والحرص على الاستفادة من برامج الخصخصة الجارية في كثير من البلدان الإسلامية، حيث يعرض من ضمن ما يتم عرضه شركات حكومية تتميز بسجلات جيدة وآفاق مشرقة واعدة.

2. غياب إطار إشرافي فعال: ما يستلزم تنسيق وتقوية الأدوار التي تضطلع بها كل من هيئات الرقابة الشرعية والبنوك المركزية، لتوفير مزيد من الشفافية للمستثمرين، وضمان سلامة التمويل، وتحسين سياسة الرقابة النقدية، وينبغي تفعيل وتقوية دور لجان شرعية خاصة تقوم بدور الإشراف الميداني المباشر على العمليات المصرفية التي تجري داخل كل مصرف إسلامي، على أن يتم تحديد دورها وحدود صلاحياتها بشكل واضح ودقيق.

3. إشكالية التعامل مع المتخلفين عن السداد وقضية التعويض والعقوبات: في المرابحة التي هي إحدى أهم صيغ التعامل تلتزم أطراف المعاملة بمسؤوليات محددة بمن فيهم المشتري الذي يلتزم بدفع الأقساط المترتبة في ذمته في الآجال المحددة، فإذا حدث أن تخلف عن التسديد لا تستطيع البنوك الإسلامية فرض أي شيء إضافي عليه، إذ إن ذلك يدخل في أخذ الربا،مما يعني تحفيز غير الملتزمين للمماطلة أو التهرب، وقد خلص الشيخ عبد الله بن بية في بحث مقارن في المسألة إلى أن إلزام المدين بتعويض للدائن إذا مطله بدينه لا يجوز، وأنه نوع من أنواع الربا الذي لا يختلف العلماء في منعه، وأن العقوبة الواردة في الحديث هي الضرب أو الحبس ونحو ذلك، وأن العقوبة المالية غير مقبولة بوجه عام ومرفوضة في مسألة التعويض عن الضرر الناتج عن تأخير سداد الديون المستحقة، وأن للمؤسسات المالية اللجوء إلى وسائل أخرى كالرهن والكفالة لضمان الوفاء، وهو بحث قيم منشور في كتابه"توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال".

4. بالإضافة إلى ما سبق فإن ثمة تحديات عديدة أخرى تواجه مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، أذكر منها على سبيل الإجمال: ازدياد حدة المنافسة، وحاجة البنوك والمصارف الإسلامية في أحيان كثيرة إلى متخصصين في الإقتصاد والمالية الإسلامية لهم إلمام بالمتطلبات الأساسية للمنتجات المالية الحديثة عند تقويمهم لها،وضرورة إقامة مؤسسات مساهمة لضمان استثمارات طويلة الأجل.

إن التجربة المصرفية الإسلامية في موريتانيا على حداثتها استطاعت أن تقدم إشارات إيجابية عديدة للممولين والمستثمرين، واستقطبت في زمن وجيز جمهورا عريضا من المتعاملين، وبافتتاح بنك موريتانيا الإسلامي الجديد الذي انضاف إلى سابقيه بنك الوفاء ومصرف الوطني، يمكن لشعب موريتانيا المسلم أن يستبشر خيرا ببزوغ فجر منافسة مصرفية إسلامية تعطي للشناقطة بديلا طالما اشرأبوا إليه عن تلك البنوك التقليدية المريبة في العمل بها وفي التعامل معها.

المناخ

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025