تاريخ الإضافة : 01.01.2011 15:20

العم شلتوت(قصة قصير)*

بقلم: الطيب ولد صالح

بقلم: الطيب ولد صالح

سعى العام الجديد في غير بطيء ولا وناء ولم يبق بينهم وبين
ليلة العيد سوى ساعات حين وقف القائد الإسكندر يقدم رجلا
ويؤخر أخرى، دون أن يستقر من أمر نزوله على حال في هذا المكان..

أي أمل قد بقى في هذه الرقعة الأرضية وقد خرجت عن سلطانه ودخلت في طاعة الشيطان!!.

لماذا يغيب الابن محمد عن المدرسة؟ أف له من ضالة.

نزلت من السماء وجلبت لهؤلاء البؤساء تعاليم الرحمة والسلام فنبذوها ظهريا واستكانوا إلى الشيطان الرجيم!!.

وامتدت يده الطويلة وامسك بقبضته الحديدية طرفي رقبة العم شلتوت.

رد العم مدافعا عن نفسه في إباء: دعني أقول لك كلمة أيها الغراب الأبيض، اعني أيها السيد الأبيض، حقا لو جاز أن يلج الجمل في سم الخياط لجاز أن يلج ابني محمد فلسفتكم هذه وينسى ملامح جده ويمشى مطأطئا رأسه كجرو لاهث وراء الموجة.

وأرسلها العم شلتوت زفرة اثر زفرة وهو يحاول أن يتملص من قبضة الإسكندر الحديدية ومضى بعض الوقت والرجلان يتبادلان اللكمات.

وصاحت فاطمة قائلة:
العم شلتوت قد احمر وجهه.. إنه يكاد يسقط على الأرض.. وأخذت بوادر الهزيمة تتراءى له في تلك اللحظة الحاسمة.. وبدأت تطل في وجهه عيون رفاق كسر حدتها الشحوب، وأزاغتها نذر الهزيمة، وغضت ماءها روافد شائعات الخنوع والاستسلام..

لكن شلتوت لا يريد أن يستسلم وتابعت فاطمة قائلة:
إن العم قد فقد الوعي.. رفع العم شلتوت يده.. وقال: انتم واهمون مازلت أقاوم.. وتزحزحت قدما الإسكندر من المكان قليلا وصفق احدهم بالعربية.. وأطلقت رصاصة في السماء وزغردات من وسط الخيام.. وتزحزحت قدما الإسكندر من المكان.. وسرعان ما أومأ برأسه وطلب أحدا يساعده.. فقال الشيخ : من يتعامل معه أو يقوم بمساعدته على حفر القبور فإنني منه براء.. براء.. براء.. و ليذهب إلى الجحيم وسال القائد الإسكندر لمن هذا التمثال؟ فقالوا: شيخ المحظرة.

وتأخر القائد ودس يده وبحث لحظة عن الخنجر وارتجفت عيون الحاضرين وهي تحدج إليه.

كان العم شلتوت رجلا طويلا منتصب القامة عريض المنكبين ذو نظرة باردة وسمرة زادت من حدتها أشعة شمس الصحراء.

كان مضيافا كريما بوش الوجه متسع الصدر يقصده المارة كنقطة وصل بين دول القارة السمراء .

كان القائد الإسكندر محاضرا بقدر ما كان مقاتلا.. كان يتحدث إلى عامة الناس بصفته فيلسوف القوة المثقفة التي يجب أن تسود في كل مكان. حيث يحاول بدهاء أن يزين لهم الهلاك الذي أوقعهم فيه معتبرا أن الهلاك هو السبيل الوحيد للخلود المقدس.. كان يتحدث إلى الناس بلغة الفلسفة والأحلام حين يحاول أن يسوغ طريقته في ابتلاعهم والعمل على قتل ميزاتهم القومية والثقافية.. ويدمج هذا تحت عنوان بارز "فلسفة الإدماج " كان يتحدث بهذه الطريقة كسبيل واحد ووحيد لنيل الحقوق في العالم.. ورغم أن الفناء حقيقة بشعة فقد استطاع القائد أن يقنع به الكثير من أبناء شعوب العالم بلغة الفلسفة والأحلام.

غير أن هذه الأفكار لم ترق" للعم شلتوت " ربما لأنه متأخر كما قال القائد، ومن هنا جاء رفضه للفلسفة ونبذها ظهريا غير مبال بتبعات ذلك.. ومنع الابن من الذهاب وراء القافلة.. وهذا ما سفحل الخلاف بين الرجلين حيث استحكمت العداوة بينهما.
تأخر القائد عن مكانه قليلا.. وبحث لحظة في جيبه عن الخنجر وقال في نفسه -بعد أن عض شفته السفلى وشد منكبيه وظهر مستعدا للفتك بالخصم- ربما كان عليا أن أتوقع وجود هذا العجوز في هذا المكان..

رد العم وكأنه استمع إلى ما دار في نفس القائد.. نعم كان عليك أن تتوقع ذالك وان تضعه في الحسبان فأنت كثير التجارب في هذا العالم وخبير بطبائع الناس.. لكن رغم ذلك فقد أعمتك المطامع عن تقدير ردود أفعالهم وإصرارهم على مقاومة هذا المشروع التوسعي..

وتأخر الإسكندر ثانية ودس يده في جيبه وبحث لحظة واخرج خنجرا وجعله في وجه العم شلتوت.. ومضت لحظة من الصمت قال بعدها شلتوت.. إن كنت كما تزعم رجلا وتتصف بقيم الحرب الأصيلة فالغ عنك هذا الخنجر ودعنا من دون وسائل..

رد القائد.. أكره أي واحد أصيل أيها المتأخر القديم.. ولولا انك متأخر لكنت مقلدي . وأضاف قائلا بملء فيه.. أنا نبي الحضارات المنتظر.. رد العم - بملء فيه - كفرنا بكم.. أيها النبي الجديد!!.

واندفع القائد كالسهم نحو العم مضطغنا عليه حيث تمكن من وضع الخنجر على حلقومه وقال.. إما أن ترضخ لمطالبي ويكون الابن جزءا من امتداد وجودي في هذا الكون وإما أن تكون هذه آخر لحظاتك في هذه الدنيا.. وصفق اثنان بالفرنسية وبكت فاطمة حتى جرت الدموع على خديها وقالت.. سنفقد العم شلتوت إذا لم يستسلم.. رفع العم يده وقال في عناد.. انتم واهمون يمكن أن تخسروا جسدي ولكن لا يمكن أن تخجلوا من ذكر موقفي.. وعاد العراك من جديد.. واصطدم كل منهما بالآخر.. وشكل الخنجر عائقا في انتصار العم.. لكنه لا يريد أن يستسلم.. ووقعت الضربة في جبينه وسال الدم على المكان.. وتبسم رفيق الإسكندر.. وبكت فاطمة وبدت الصدمة على ركائز "الخيمة".. وتوترت أعصاب الشيخ ورفع يديه إلى السماء:
اللهم انصر من نصرك واخذل من خذلك.. اللهم إنا مغلوبون فانتصر.. وعمت الصدمة المكان، لكن سيئا ما حدث.. أن سقط الخنجر من يد القائد الإسكندر حيث امسك به شلتوت.. حينها بدا القائد الإسكندر يقدم رجلا ويؤخر أخرى.. وبدا يقول: الآن سنتحاور حول السلم وقيم الحرب القديمة.. ومن تلك القيم يا شلتوت: انك قد اشتهرت بكرم الضيافة وأنا ضيفك على كل حال حتى لو كنت ضيفا ثقيلا..

و الآن سأرحل ولكن بشرط..

وما هو ذلك الشرط أيها البائع..؟؟ اعني أيها السيد الأبيض..

بشرط أن يتفق الجميع على ذلك.. وإذا عارض واحد يكون للقضية شان آخر..

هز الجميع رؤوسهم كلنا متفقون.. متفقون.. متفقون..

ورحل القائد الإسكندر من المكان وفارق العم شلتوت الحياة بعد دقائق بسبب نزيف الدم..


*القصة فائزة بالمرتبة الأولى في جائزة اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين حول المقاومة الوطنية.

الرياضة

الصحة

وكالة أنباء الأخبار المستقلة © 2003-2025